من يحارب التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي؟ ... د . علي توفيق الصادق

01:37 صباحا
قراءة 5 دقائق

يبدو أن الاهتمام بمحاربة التضخم في الوقت الراهن هو اهتمام عالمي يكاد ان يوحد الدول، غنيها وفقيرها، في الإعلان الواضح والصريح في العمل على السيطرة على ظاهرة التضخم واحتوائها في معدلات مقبولة لا تزيد على 2-3 في المائة، قد تنفع النشاط الاقتصادي، على الرغم من مخاوف دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود قد تمتد آثاره المباشرة وغير المباشرة إلى الاقتصاد العالمي كبيره وصغيره . ففي الولايات المتحدة، على الرغم من العمل على منع الاقتصاد من الدخول في ركود، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، والهند، وأستراليا وبلدان أخرى اهتمام جاد وأكيد في محاربة التضخم وجهوزية بارعة للتصدي لظاهرة التضخم مستخدمين ما بحوزتهم من وسائل نقدية ومالية . ويلاحظ المتابع لظاهرة التضخم في دول مجلس التعاون أن معدلاته وصلت إلى أرقام غير مسبوقة منذ أواخر عقد ثمانينات القرن العشرين حيث بلغ معدل التضخم في السعودية نحو 8 في المائة وفي الإمارات نحو 11 في المائة وفي قطر تجاوز 13 في المائة . ويلاحظ المتابع لهذه الظاهرة كثرة الأحاديث والتحليلات والمناقشات في دول المجلس على اصعدة كثيرة رسمية وغير رسمية، ولكن الجهات المسؤولة عن المحافظة على ثبات قيم العملات الخليجية، أي البنوك المركزية ومؤسسات النقد في دول المجلس (البنوك المركزية الخليجية فيما بعد) لا تتحدث كثيرا ولا تفيدنا بما تنوي أن تقوم به إزاء هذا الغول الذي تمادى في قضم أجزاء مهمة من النقود التي تصدرها، وهل لديها أدوات تستطيع استعمالها للسيطرة على جموح التضخم في دول المجلس؟

نظرة سريعة على اغراض البنوك المركزية الخليجية كما جاءت في قوانين إنشائها تبين انها تشمل بين امور أخرى المحافظة على قيمة النقد . فعلى سبيل المثال أعطى القانون الاتحادي رقم (10) لعام 1980 بنك الإمارات المركزي صلاحيات واسعة، من أهمها تنظيم السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية والإشراف على تنفيذها، والعمل على دعم النقد وتحقيق ثباته في الداخل والخارج وضمان حرية تحويله إلى العملات الأجنبية، إضافة إلى صلاحيات أخرى . فهل تمت المحافظة على قيمة النقد في الداخل والخارج، علما بأنه تم ضمان حرية التحويل إلى عملات أجنبية حتى في الظروف الصعبة؟

تتطلب الإجابة عن هذا السؤال تعريف وظائف النقد وقيمة النقد في دول مجلس التعاون، أي قيمة الدرهم الإماراتي، والريال السعودي والريال القطري والريال العماني والدينار الكويتي والدينار البحريني . وظائف النقد المتعارف عليها هي وحدة حسابية للقياس، ووسيلة لتبادل السلع والخدمات والأصول، ومخزن للقيمة، أي أن العملات الوطنية في دول مجلس التعاون يفترض أن تقوم بهذه الوظائف الثلاث . الواقع أن العملات الوطنية هذه تقوم بشكل عادي بالوظيفتين الأوليين، وحدة قياس حسابية ووسيلة للتبادل، أما الوظيفة الثالثة، مخزن للقيمة، فقد أصبح مشكوكاً فيها في ظل معدلات التضخم التي تجاوزت المستويات الآمنة وباتت تهدد الإنجازات الإنمائية، الاقتصادية منها والاجتماعية، المهمة التي حققتها دول المجلس في الحقبة الماضية . فوظيفة مخزن للقيمة ترتبط بقيمة النقد . وقيمة النقد تتعلق بأسعار السلع والخدمات التي يتم تبادلها في كل بلد . فعلى سبيل المثال ارتفع سعر مجموعة الطعام والشراب والتبغ في سلة المستهلك في الإمارات بنحو 5 .23 في المائة بين العامين 2000 و،2006 فإذا كانت العائلة تدفع 900 درهم لشراء هذه المجموعة عام ،2000 فإنها أصبحت تدفع 5 .1111 درهم لشراء المجموعة نفسها في العام 2006 هذا يعني أن القيمة الشرائية للدرهم انخفضت 5 .23 في المائة قياسا إلى هذه المجموعة من السلع . وإذا قسنا قيمة الدرهم بمجموعة الإيجارات وملحقات السكن في سلة المستهلك في الإمارات نجد أن سعر سلة هذه المجموعة ارتفع بنحو 1 .50 في المائة بين العامين 2000 و2006 فإذا كانت العائلة تدفع 60 ألف درهم إيجارا عام ،2000 فإنها أصبحت تدفع 90 ألف درهم في العام 2006 . وهذا يعني أن قيمة الدرهم انخفضت 1 .50 في المائة قياسا إلى هذه المجموعة من الخدمات . وعلى مستوى مجموع مكونات سلة المستهلك في الإمارات، فإذا كانت العائلة تدفع 5000 درهم لشراء مجمل سلة المستهلك عام ،2000 فإنها أصبحت تدفع 6650 درهما في العام ،2006 حيث ارتفع الرقم القياسي لسعر المستهلك في الإمارات من 100 في العام 2000 إلى 133 في العام ،2006 أي أن قيمة الدرهم انخفضت 33 في المائة قياسا إلى سلة المستهلك في الإمارات . واضح أن قيمة الدرهم انخفضت منذ العام 2000 وزاد انخفاضها عام 2007 بنحو 11 في المائة حسب آخر تقديرات صندوق النقد الدولي لمعدل التضخم في الإمارات لعام ،2007 واضح أيضا من هذه الأرقام أن قيمة الدرهم انخفضت، وكذلك انخفضت العملات الخليجية بدرجات متفاوتة حسب معدلات التضخم في كل منها .

الأبحاث المهتمة بالتضخم وأسبابه ومعالجته كثيرة، ولكن بما أن التضخم هو المسؤول عن انخفاض قيمة العملة، فإننا بحاجة لإبراز علاقة التضخم بالنقد لنبحث عن أداة قد تساعد على تقييد التضخم وبالتالي تقليص انخفاض قيمة العملة . العلاقة التي نريد من العلاقات المشهورة في الاقتصاد بشكل عام وفي مساقات النقود والصيرفة على وجه الخصوص هي معادلة الكمية . وتفيد هذه العلاقة في صيغة نسب مئوية أن حاصل جمع معدل نمو السيولة ومعدل نمو سرعة تداول النقد تساوي حاصل جمع معدل التضخم ومعدل نمو الدخل . مثلا إذا كان معدل نمو السيولة 15 في المائة ولم تتغير سرعة التداول، وكان معدل الدخل 5 في المائة، فلا بد أن يكون معدل التضخم 10 في المائة . وكلما ارتفع معدل نمو السيولة في ظل محدودية نمو الدخل واستقرار معدل نمو سرعة تداول النقد، كان التضخم أعلى . يشير هذا التحليل المستند إلى معادلة الكمية إلى أن الخطوة الأولى في محاولة محاربة التضخم هي تحديد معدل نمو السيولة بما لا يزيد على معدل نمو الدخل إضافة إلى 2-3 في المائة لمعدل تضخم حميد .

للنظر في بيانات النمو والسيولة والتضخم في كل من الإمارات وقطر: في العام 2006 كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في كل من الإمارات وقطر والسعودية 5 .5 في المائة و1 .7 في المائة و7 .4 في المائة على التوالي؛ ومعدل نمو السيولة المحلية 23 و21 في المائة في الإمارات و94 .37 في المائة في قطر و4 .20 في المائة . سرعة تداول النقد في كل من الإمارات وقطر والسعودية كانت مستقرة بين عامي 2005 و2006 .

لذا فإن هذا التوسع الكبير في السيولة وجد طريقه إلى التضخم في شكل معدل مرتفع يتجاوز ما يشير إليه الرقم القياسي في كل من الإمارات وقطر والسعودية، إذا ما قبلنا ما تبينه معادلة الكمية التي استخدمناها . هذه النتيجة تبين أن الخطوة الأولى في الألف ميل تتجسد في التعرف إلى مصادر السيولة في الاقتصاد وأسباب التوسع الكبير فيها والنظر في تقييدها إن أمكن في حدود آمنة إذا ما أردنا أن نسيطر على التضخم ونجعله في خبر كان .

مستشار اقتصادي - دبي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"