الاقتصاد العالمي: عثرة أم ركود؟

03:42 صباحا
قراءة 4 دقائق

تواصل أسعار الذهب الارتفاع إلى معدلات قياسية مع إقبال المستثمرين على شراء المعدن الثمين كملاذ آمن للقيمة في ظل اضطراب أسواق الأسهم والسندات ومخاوف بشأن الاقتصاد العالمي بشكل عام .

ويشهد سوق الذهب في الواقع غلياناً ينذر بفقاعة ستنفجر في المدى القريب ليبدأ سعر الذهب نزولاً تصحيحياً، وذلك في ضوء توقعات غير متفائلة عموماً بوضع الاقتصاد العالمي في المديين القريب والمتوسط . وربما كانت أسعار الذهب مؤشراً خفيفاً إلى حد ما لما يمكن أن يكون عليه وضع الاقتصاد العالمي والتوقعات بشأن مستقبله .

إلا أن استمرار دور القطاع المالي وبشكله القديم منذ الأزمة المالية العالمية التي أدخلت العالم في ركود اقتصادي قبل أربع سنوات يجعل من توجهات المستثمرين للأسف الشديد مؤشراً مهماً .

وقبل العودة إلى دور القطاع المالي في الاقتصاد العالمي واستمرار مخاطره الشديدة، نشير إلى أن مؤشرات الاقتصاد الكلي من الاقتصادات الرئيسية في العالم المتقدم والنامي لا تبشر بأن التعافي من الركود بالقوة الكافية للحيلولة دون ركود آخر قد يكون أعمق ويستمر كساداً . فالاقتصاد الأمريكي في وضع لا يحسد عليه تدل عليه أرقام البطالة المرتفعة واستمرار تدهور سوق العقار . ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي ألمح إلى احتمال طرح مرحلة ثالثة من التيسير الكمي، إلا أن مرحلتين من التيسير الكمي لم تعالجا أمراض القطاع المالي الأمريكي خاصة مع استمرار علله كما هي في ظل غياب إصلاحات جذرية، واللجوء إلى إصلاحات حافظت على الاختلالات الهيكلية .

ومع أن الاقتصادات الصاعدة في آسيا مثل الصين والهند لا تزال تنمو بوتيرة سريعة، مع بعض التباطؤ، فإن التردي في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة التغييرات السياسية فيها وتراجع فرص التعافي في أوروبا يزيد من التشاؤم بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي في المدى القريب . كما أن الاقتصادات الصاعدة، وإن كانت تحاول جاهدة إبطاء الغليان في اقتصادها، إلا أن معدلات النمو القريبة من عشرة في المئة مع معدلات التضخم وفورة العقار وقلة الإنفاق المحلي تهدد بفقاعة في طور التكوين، ربما يكون انفجارها بداية كساد عميق . مع ذلك، هناك بعض الاقتصاديين يرون أن ما يمر به الاقتصاد العالمي مجرد تراجع ظرفي لن يستمر طويلاً، وربما لا يقود إلى ركود رغم الاعتراف بالمخاطر التي تهدد ذلك التقييم المتفائل . وتستند تلك التوقعات المتفائلة إلى أن الأصول والأساسيات للاقتصادات التقليدية المتقدمة ما زالت جيدة وبالتالي فرص النمو قائمة .

وهناك رهانات على حل مشكلات السياسة المالية للحكومة الأمريكية وخروج اليابان من تبعات كارثة الزلزال والتسونامي التي أدت إلى تدهور الإنتاج، وكذلك استقرار الأوضاع في دول الشرق الأوسط المضطربة مع اتفاق أوروبا على وسيلة حاسمة لمواجهة أزمة الديون السيادية .

إلا ان هذا التحليل المتفائل يأتي في إطار اعتبار مشكلة الديون الحكومية مشكلة عجز ميزانية تتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي وليست جزءاً لا يتجزأ من الكارثة الناجمة عن أزمة القطاع المالي العالمي .

وإذا كانت أوروبا تسعى لتفادي تكرار أزمة اليونان وأيرلندا والبرتغال في اقتصاديات أكبر مثل إسبانيا وإيطاليا، فإن الحكومات الرئيسية التي تتحمل عبء الإنقاذ حتى الآن وتحديداً ألمانيا بدأت تدرك أن ما يجري هو مجرد ضخ مزيد من الموارد في بالوعة القطاع المالي العالمي المأزوم، فكل محاولات إقناع البنوك والمستثمرين الخواص بتحمل قدر من تبعة إنقاذ اليونان لم تفلح، وهكذا سيتم حل مشكلة الديون السيادية بأموال دافعي الضرائب في الاقتصادات التي تعاني هذا رغم أن أغلب تلك الديون هي سندات لبنوك وصناديق استثمار تريد أرباحاً مضاعفة دون تحمل أي مخاطر . وذلك منحى غير مستقر ولا يمكن أن يستمر، وهو كفيل بحد ذاته بانهيار جديد في الاقتصاد العالمي .

المهم هنا توضيح أن مشكلة الديون الحكومية ليست مجرد أزمة اقتصادات معينة بقدر ما هي إحدى تبعات انهيار النظام المالي العالمي، وخطط الإنقاذ من الدول الغنية وصندوق النقد الدولي الذي تسهم في أصوله حكومات العالم، أي أموال دافعي ضرائب أيضاً هي شكل آخر من أشكال الإنقاذ الحكومي للقطاع المالي بمستثمريه المغامرين من دون خسائر وبنوكه وصناديقه المخاطرة للربح من دون تحمل خسائر .

وإذا أخذنا في الاعتبار أن كل وعود إصلاح القطاع المالي العالمي التي أعلنها السياسيون في عز الأزمة عام ،2008 لم تكن إلا مجرد تصريحات للاستهلاك المحلي وتبرير دعم من سببوا الأزمة بأموال الشعوب، فإن التحليل المتفائل الذي يرى أن التباطؤ الحالي مؤقت لا يصمد للحظة . بل هناك تحليل آخر يرى أن الاقتصاد العالمي ما زال يحمل داخله عوامل صدمات أخرى متكررة وأن احتمالات الركود الثاني والكساد كبيرة .

يقدر أصحاب التوقعات المتفائلة أنه رغم كل البيانات السلبية فإن الشركات الكبرى لديها أرصدة هائلة من النقد ستجعلها تعاود النشاط فتمتص البطالة وتسهم في زيادة النمو . وتشير تلك التوقعات إلى متوسط نمو للاقتصاد العالمي قرب 4 في المئة، مع نمو لا يتجاوز اثنين في المئة في أمريكا وأوروبا وتباطؤ إلى نسبة 8 او 9 في المئة في الصين والهند ونمو معتدل ما بين 4 و5 في المئة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا . ومع أن تلك توقعات متفائلة جداً، إلا أنها في الأغلب ليست كافية لسد حاجة استعادة القطاع المالي لتعويض خسائره من الأزمة من أموال الحكومات أي الضرائب التي تدفعها الشعوب . وطالما أن الخلل الأساسي الذي أدى إلى الأزمة المالية والركود لم يعالج من جذوره، فالاقتصاد العالمي بانتظار هزات أخرى قد تكون أشد من الأخيرة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"