توقعات الاقتصاد المصري بعد التغيير

04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق

تبشر محاولة حكومة عصام شرف الانتقالية في مصر لاستعادة الأوضاع الطبيعية في مصر باحتمال تقليل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تعطل الأعمال في البلاد منذ نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي . ورغم أن كثيرين حاولوا احصاء الخسائر، إلا أنه يصعب وضع نقدير محدد وإن كان متوسط التقديرات يشير إلى أن الاقتصاد المصري ربما خسر ما بين 5 إلى 7 مليارات دولار في الأسابيع الأخيرة . مع ذلك تظل التوقعات متفائلة جداً بإمكانية أن يحقق الاقتصاد المصري نقلة مميزة بمجرد استعادة الهدوء، لأسباب عديدة ليس أقلها أن التغيير في مصر كفيل بإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي واستمرار نهج الإصلاح الاقتصادي في ظل شفافية ومسؤولية .

بل إن البعض يذهب إلى أن مصر، التي وإن كانت لا تملك موارد طبيعية كبيرة كدول أخرى، يمكن أن تشكل نموذجاً في التنمية في غضون سنوات قليلة . ولعل التنوع الشديد في اقتصادها بين القطاعات المختلفة من صناعة وزراعة وتجارة وخدمات يكون أحد محركات هذه النقلة الممكنة والمأمولة .

ورغم التحذيرات من تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري وتآكل مخزون السلع في البلاد، إلا أن الأوضاع لا تبدو مقلقة إلى حد الانزعاج . بل ربما تستطيع الحكومة المصرية التعويل على مساعدات عاجلة وربما حتى الاقتراض من السوق المحلية وعبر مساعدات من دول صديقة لو تطلب الأمر لتغطية أي طوارئ استثنائية .

إذ إن سوق السيولة لم يتأثر كثيراً رغم أن الحكومة لم تستطع توفير كل ما طرحته في مزادات لأذون الخزانة خلال الاحتجاجات . وحتى الآن لا يخشى أن تعاني البنوك المحلية، خاصة البنوك الحكومية أو التي تسهم فيها الحكومة بنسبة كبيرة، من نقص في السيولة مع عودة النشاط الاقتصادي بعد تغيير النظام وعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها تدريجياً .

ربما كان الملمح الأهم، منذ عودة البنوك للعمل بعد أسبوع من فبراير/ شباط هو سعر العملة المصرية أمام الدولار . إلا أن العملة المصرية حافظت إلى حد كبير على تماسك سعر صرفها، من دون تدخل كبير من البنك المركزي الذي تدخل الشهر الماضي عبر بيع الدولارات وشراء الجنيه .

وكانت المشكلة خلال الأزمة هي نشاط سوق سوداء للعملة، خاصة في دول الخليج التي يعمل بها أغلب المغتربين المصريين الذي يحولون أموالاً إلى مصر، ما أدى إلى تراجع حصيلة الدولة المصرية من العملة الصعبة وكذلك الضغط على قيمة الجنيه المصري نزولاً . وبلغت تحويلات المصريين في الخارج في العام المالي 2009-2010 ما يقرب من عشرة مليارات دولار (8 .9 مليار دولار) تمثل 17 في المئة من إجمالي مدخلات الحساب الجاري المصري .

كذلك تراجعت السياحة قليلاً في فترة الثورة، لكن من المتوقع أن تعاود النشاط بسرعة لتعوض قدراً كبيراً من خسائر القطاع . وبلغت عائدات السياحة العام المالي الماضي 6 .11 مليار دولار، تمثل نحو 20 في المئة من مدخلات الحساب الجاري . لكن تراجع عائدات النقد الأجنبي، من تحويلات المصريين في الخارج ومن السياحة، سيشكل ضغطاً على السياسة النقدية للبنك المركزي المصري الذي يملك احتياطيات بالعملة الأجنبية تصل إلى 36 مليار دولار (تكفي لسداد فاتورة الاستيراد لثمانية أشهر) . ومن ثم لا يتوقع أن يتدخل البنك المركزي كثيراً في سوق الصرف لتقوية الجنيه المصري . لذا ترى بعض التحليلات أن الجنيه المصري ربما يتجاوز حاجز الستة جنيهات أمام الدولار بنهاية العام (ما بين 2 .6 و4 .6 جنيه للدولار) .

وقد تكون المشكلة الأساسية التي ستواجه البنك المركزي المصري هي ارتفاع معدل التضخم، وإن كان ذلك لا علاقة له مباشرة بأي خسائر اقتصادية جراء الثورة . فالأسعار العالمية للسلع والمواد الأساسية في ارتفاع ما يشكل ضغوطاً تضخمية على الجميع، بما في ذلك مصر . لكن انخفاض قيمة العملة، إضافة إلى ارتفاع متوقع للأجور، سيؤدي أيضاً إلى ضغوط تضخمية . ويتوقع أن يرتفع معدل التضخم في العام الجاري إلى نسبة 6 .14 في المئة في المتوسط مقارنة بنسبة 1 .11 في المئة العام الماضي . ومع تراجع الناتج الصناعي قليلاً وضعف العائد من السياحة (تقديرات بخسائر القطاع ما يصل إلى 40 في المئة) وظهور السوق السوداء في تحويلات العاملين بالخارج، يتوقع ارتفاع العجز في الحساب الجاري إلى نحو 16 مليار دولار في 2011 مقابل 5 .3 مليار دولار فقط العام الماضي .

أما العجز في الميزانية فيتوقع أن يصل إلى 12 في المئة من الناتج المحلي في العام المالي الحالي فيما كانت الحكومة تستهدف عجزاً بنسبة 9 .7 في المئة مقابل عجز العام الماضي بنسبة 2 .8 في المئة . أما السبب فيعود إلى تراجع العائد من حصيلة الضرائب نتيجة سياسات الحكومة السابقة إضافة بالطبع إلى زيادة الإنفاق الحكومي المتوقعة بعد الثورة .

بالطبع سيؤثر كل ذلك في توقعات النمو، وإن كان أثر الثورة في النمو ليس كبيراً . فحسب آخر أرقام رسمية متاحة في مصر، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام المالي الحالي (الذي بدأ في مطلع يوليو/ تموز 2010 وينتهي في آخر يونيو/ حزيران 2011) نسبة 5 .5 في المئة، مقابل نسبة 1 .5 في المئة للعام المالي السابق في المتوسط . ويقدر أن الاقتصاد واصل النمو في الربع الثاني (الأشهر الثلاثة المنتهية في ديسمبر/ كانون الأول) بنسبة ربما وصلت إلى 7 .5 في المئة لنصف العام المالي الأول . لذا يتوقع أن تكون نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط للعام المالي الحالي أعلى قليلاً من أربعة في المئة، رغم التأثير السلبي للثورة في الناتج المحلي الإجمالي في شهري يناير وفبراير .

من المهم الإشارة إلى أن التحول الديمقراطي وتبني الشفافية والمسؤولية والقضاء على الفساد كفيل بجلب فرص استثمار استثنائية، خاصة أن الاقتصاد غير الرسمي في مصر يصل إلى حجم الناتج المحلي تقريباً . ومن شأن ضم ذلك الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي أن يسهم في قفزة كبيرة للاقتصاد المصري في السنوات المقبلة .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"