الثقافة والجغرافيا المعاكسة والنجاح الاقتصادي

02:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي

نشأ تحد واضح من الاعتقاد بأن النمو يتعلق أساساً بالثقافة وهو الرأي الذي قدمه ديفيد لانس من جامعة هارفارد، ويعني هذا الرأي أن بعض المجتمعات يوجد بها أفراد مغامرون يعملون بدأب. وهناك دول أخرى ليس لديها مثل هؤلاء الأفراد، وأن تلك الدول التي تتميز بالعمل الدؤوب وثقافة المغامرة (الولايات المتحدة وجزء كبير من أوروبا واليابان وكثير من دول آسيا وحديثاً الهند) تنمو بسرعة في حين أن الدول التي ليست لديها تلك الثقافة (كثير من دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية) تنمو بسرعة أقل أو لا تنمو على الإطلاق وفق لانس. ويقر أغلبية المحللين بأن الثقافة تلعب دوراً ولكنه ليس ولا يمكن أن يكون العامل الوحيد الذي يفسر النجاح الاقتصادي، فلو كان هذا هو العامل الوحيد فلماذا إذن نجح كثير من الهنود والروس وبعض المغتربين اقتصادياً خارج أوطانهم في حين قبع آخرون في بلادهم يكافحون من أجل إعالة أنفسهم وأسرهم.

الأمر ليس مجرد الانتقاء الذاتي وهو ما يعني أن المغتربين ينجحون في أماكن أخرى لأنهم الأكثر مغامرة (وهو ما يظهر من رغبتهم في المخاطرة بكل شيء ومغادرة أوطانهم). إن الأقطار التي غادروها قد عانت كثيراً جراء إعاقة مؤسساتها لتقدمها (حتى الهند البلد الذي يصدر تكنولوجيا المعلومات) يوجد به الكثير من القواعد التي لا تزال تعمل على تدهور أجزاء أخرى من ذلك الاقتصاد).

وماذا عن دور الجغرافيا والفكرة التي تقول: إن الحرارة في بعض البلاد القريبة من خط الاستواء تجعل من المستحيل على الأفراد أن يعملوا بدأب وتعرضهم للأمراض. أو أن البلدان غير الساحلية ترتفع فيها تكاليف النقل ولا يمكنها التجارة بسهولة مع باقي دول العالم. لقد ركز جيفري ساكس على هذه العوامل باعتبارها عوامل تحد من النمو أو تحول دونه، وليس جيفري ساكس هو أول من جاء بفكرة الجغرافيا المعاكسة فسبق وتحدث آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» عن محنة إفريقيا جنوب الصحراء وآسيا الوسطى. وقال كل المناطق الداخلية لإفريقيا، وكل تلك المنطقة من آسيا الواقعة على مسافة كبيرة إلى حد ما شمال البحر الأسود وبحر قزوين، وبلاد التتار الحديثة، وسيبيريا. وبحر التتار هو المحيط المتجمد الذي لا يسمح بأي ملاحقة، وأنه رغم أن عدداً من أكبر الأنهار في العالم تجري عبر تلك البلاد فإنها أكثر بعداً عن بعضها من أن تسمح بنقل التجارة والمواصلات عبر الجانب الأكبر منها.

ولا توجد في إفريقيا أي خلجان كبرى مثل بحر البلطيق والبحر الادرياتيكي في أوروبا، والبحر المتوسط والبحر الأسود في كل من أوروبا وآسيا، وخلجان بلاد العرب، والهند، والبنغال، وسيام، في آسيا، لنقل التجارة البحرية إلى الأجزاء الداخلية من تلك القارة العظيمة: والأنهار الكبرى في إفريقيا تقع على مسافات من بعضها أبعد من أن توفر فرصة لأي ملاحة على نطاق واسع داخل القارة مما يعوق النمو الاقتصادي. وكما هي الحال مع الثقافة فقد تكون هناك أوجه تشابه مع هذا الخط من الجدل إلا أن هناك أمثلة مضادة لما قيل سابقاً. فإذا كان الوجود عند خط الاستواء هو قبلة الموت الاقتصادي، فكيف للمرء أن يفسر النجاح الاقتصادي المذهل الذي أحرزته سنغافورة، أو ذلك النجاح الأقل في امتيازه، بيد أنه لا يزال مؤثراً والذي حققته تايلاند، وإذا كان عدم وجود منفذ على البحر يحكم على البلد الداخلية بالتخلف، فكيف للمرء أن يفسر السجل الاقتصادي الملحوظ لسويسرا التي تحيط بها الجبال من كل جوانبها، لدرجة أنه كان من المعتاد في الماضي اعتبارها فريدة من الناحية الجغرافية بوصفها رمزاً للحياد.

والأجدى هو النظر إلى العوامل الأربعة الأساسية المتحكمة في النمو الاقتصادي وهي المواد الخام، والعمالة، والآلات وهو ما يسمى أيضاً رأس المال المادي والتغير التكنولوجي الذي يؤدي إلى منتجات وخدمات جديدة.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"