في العجلة السلامة!

02:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
في سنة 1845، كان يحتاج الرئيس الأمريكي إلى 6 أشهر لإيصال قراره من واشنطن إلى كاليفورنيا. في الماضي، كان من السهل على القوي إقفال الفرص أمام الشركات الصغيرة خاصة الفردية. أصبح اليوم هذا الشيء مستحيلاً بفضل التكنولوجيا وسهولة التمويل وانفتاح المجتمعات على الجديد المسهل للحياة. بين سنتي 1956 و1981، كانت 24 شركة كمعدل تخرج سنوي من مؤشر «فورتشن 500». ارتفع الرقم إلى 40 بين سنتي 1982 و2006 نتيجة عدم تأقلم الشركات مع التكنولوجيا الجديدة والسريعة.
المطلوب التجدد الدائم حيث يرتفع مستوى القلق كما الإنتاجية التي لا ترحم. كيف نفسر إذاً صعود شركات ك «أوبر» و«Airbnb» وغيرها؟ تحدث هذه الشركات ثورة في الأسواق لأنها تراعي مطالب المستهلكين وتقدم لهم الخدمات بوتيرة أسرع وأفضل وأرخص. نحن في «ثورة مستمرة» حقيقية داخل المجتمعات وداخل كل شركة ومنزل.
تغيرت عجلة الحياة، ولم يعد هنالك خيار فيما يخص السرعة. كنا نقول في العجلة الندامة، فهل يصلح هذا في عالم التكنولوجيا والسرعة والإنتاجية. من يأخذ وقته كثيراً قبل اتخاذ القرار، يخسر السباق. ربما يجب أن نعكس المثل ونحدثه لنقول «في العجلة السلامة وفي التأني الندامة». المطلوب العجلة المدروسة مع تخفيف الأخطاء والخسائر إلى أقل الممكن. أصبحت السرعة عموماً تعني النجاح والتقدم، كما التباطؤ يعني الفشل والخسارة. للبعض في مجتمعاتنا، أصبح الرابط بين الإنسان والحاسوب أكبر بل أقوى وأعمق بكثير من الرابط فيما بين البشر. فقدنا في مجتمعاتنا ثقافة الصبر حتى على حساب نوعية الحياة ولذتها. لم تتغير الاقتصادات وحدها، بل تغير الإنسان معها.
هل تعمل كل المجتمعات بسرعة؟ وهل هنالك فارق بين الدول؟ يقول «روبرت كولفيل» في قراءته للموضوع إن الدول الصناعية تعمل بسرعة أكبر حيث أصبحت الإنتاجية جزءاً من الحياة العادية، بينما تعمل الدول الناشئة وخاصة النامية بسرعة أقل بكثير.
هل من واجب الدول النامية والناشئة تسريع عملها في القطاعين العام والخاص؟ هل تسريع العمل سهل؟ هل يمكن فرض السرعة على المجتمع؟ في الواقع أتت السرعة من المجتمعات الغربية أي عملياً من الولايات المتحدة وأوروبا. يمكننا القول إن السرعة فرضت علينا من المجتمعات المتطورة كجزء من الثقافة المستوردة بكل جوانبها العلمية والأدبية والاجتماعية. لم نرث من المجتمع الغربي فقط الثقافة الاستهلاكية والنشاط المرتكز على الفردية، بل ورثنا أيضاً ثقافة السرعة علماً بأننا لم نطبقها جيداً حتى اليوم.
لا شك في أن الحياة أصبحت أفضل اليوم مما كانت عليه منذ عقود. لعبت التكنولوجيا دوراً كبيراً في تسريع العمل لأن النتائج الجيدة مهمة والكسل والتباطؤ ممنوعان. هذا ما يفسر تأخر بعض الدول في النمو وعدم إعطاء النتائج الجيدة السريعة. لا ضرورة لأن تكون النتائج مميزة ومتقنة وكاملة أو لا تكون، بل نتائج جيدة تكفي في معظم الأحيان. في سنة 1990، 49% من الأوروبيين شعروا أن ضغط الحياة كبير ويرتفع. في سنة 2000، ارتفعت النسبة إلى 60% مما يشير إلى الضغط النفسي الذي يتعرض له الإنسان لغاية تأدية عمله بسرعة وبمستوى جيد. قسم كبير من العاملين اليوم يشكو من وجع الظهر الناتج عن الجلوس كما عن الضغط النفسي الكبير المرافق لتحديات العمل والرغبة في النجاح بل التفوق.
لا شك إذاً، أن الحياة أصبحت أسرع وهنالك وقائع مهمة مرتبطة بالواقع الجديد:
أولاً: لهذا التغيير فوائد كبيرة أهمها الإنتاجية الأعلى وسرعة تحقيق وتنفيذ النتائج. لهذا التغيير تكلفة مهمة مرتبطة بطبيعة الحياة ولذتها. من النتائج السلبية ظهور سلع وخدمات لا تتمتع بالنوعية المطلوبة، بل مضرة أحياناً في الغذاء مثلاً. كما أن الحاجة لليد العاملة تخف مما يمكن أن يؤثر سلباً في البطالة. منها أيضاً ظهور فنانين ومنتجين وخبراء وسياسيين وغيرهم لا يتمتعون بالصدقية الشعبية. التركيز على السرعة مضر، لكن مقارنة الفوائد بالتكلفة تبقى شخصية. في رأينا الفوائد أكبر بكثير مع ضرورة معالجة الجوانب السلبية كحسن توزع النتائج الجيدة وعدم زيادة الظلم والفجوة ضمن المجتمع.
ثانياً: السباق بين السرعة والتباطؤ يصبح سباقاً بين الكبير والصغير، إذ الأسرع يكبر أكثر وبسرعة أكبر. فالأسرع يلغي الأبطأ. كما أن هذا السباق يرفع مخاطر الجودة والنوعية، وتظهر هذه المشكلة في أمور خطرة كالصحة والطب. هذا يعني أن الخسائر الاجتماعية تظهر بشكل أسرع وأحياناً تكون أخطر ومكلفة أكثر في عصر السرعة. فالسرعة مطلوبة في كل شيء ربما، لكن الأسرع ليس دائماً الأفضل. الأهم أن تكون السرعة تحت إشراف الإنسان والمجتمع ولا تسيره فيصبح عبداً لها.
ثالثاً: إذا قارنا الشركات الجديدة اليوم بالماضي، نرى أن الأولى أصغر وتعمل بوتيرة أسرع وتتخصص عموماً بالتكنولوجيا وتكبر بسرعة والأمثلة كبيرة وعديدة في العالم. ثقافة التجدد مهمة جداً ولا يمكن أن تكون بطيئة، بل ما يميزها هو السرعة. فالسرعة في التفكير والتنفيذ والتعديل والتغيير هي المطلوبة. فالتكنولوجيا وطريقة العمل كما أذواق المستهلكين تتغير كلها بسرعة، ولا بد من التأقلم معها في سبيل النجاح. التكنولوجيا الجديدة أسرع وتكلفتها أقل، فمن يجرؤ على تجاهلها؟ جوائز النجاح أصبحت كبيرة جداً وتكلفة الخسارة أصبحت ضئيلة جداً مقارنة بالماضي.
في عالمنا المتغير والمتجدد، لا بد من تنفيذ طرق جديدة في الإدارة والقيادة مبنية على مهنية مرتفعة ورؤية كافية وحديثة تدخل التكنولوجيا وترفع الإنتاجية. فالسرعة تغير المجتمعات وطرق العمل والحياة حتى في الاستهلاك. الأمور تتغير ومن لا يفهمها ويتأقلم معها وربما يساهم في تعديلها، يخسر. السرعة وليس التسرع تبقى أهم مزايا مجتمعات اليوم ولن تتغير الأمور في المستقبل القريب.
لويس حبيقة
* كاتب لبناني
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"