تحديات منطقة اليورو

01:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
مستقبل الانفتاح والعولمة اليوم يعتمد إلى حد بعيد على الجهود الصينية وقيادتها لمسيرة الانفتاح. الصين الشيوعية تقود النظام الرأسمالي المنفتح، والولايات المتحدة ترغب في بناء الحواجز والانغلاق والجدار. هل ترغب الصين فعلاً في قيادة العالم المنفتح؟
تشير الانتخابات المختلفة إلى أن الأوروبيين يريدون التغيير، إلا أنهم لا يدرون في أي اتجاه يذهبون. نتائج الانتخابات الفرنسية مختلفة جدا عن البريطانية والهولندية وغيرها. نتائج الانتخابات الإيطالية والألمانية في أواخر هذه السنة ستعطي دلالات قوية عن كيفية تحرك الوضع الأوروبي مستقبلاً.. ما ينقص أوروبا عموماً هو الاهتمام بالإنتاجية التي تبقى مصدر النمو. كي ترتفع الإنتاجية لا بد من إيجاد الحوافز والدوافع للعمل التي افتقدها آلأوروبيون عموما على مدى عقودرفع الإنتاجية يرتكز على عوامل عدة، أهمها الاستثمار في التعليم والتدريب اللذين يشكلان الركيزتين الأساسيتين للمعرفة. بناء المعرفة صعب لكنها تبقى لتعطي عائداً اجتماعياً وطنياً مرتفعاً ودائماً. يجب على كل دولة أن توفر الفرص لمواطنيها لتعلم التكنولوجيا والعلوم لرفع الإنتاجية والتشجيع على الإبداع والتجديد.
تبقى التجربة اليونانية النقطة السوداء الأساسية في تجربة اليورو. أقلقت كل أوروبا من ناحية التكلفة والاستمرارية والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الخسائر والمساعدات. هنالك اتفاق جديد بين المجموعة الأوروبية واليونان على تنفيذ سياسات تقشفية جديدة، لكن احتمال النجاح يبقى ضئيلاً. لا يمكن معالجة مشكلة اليورو من دون النظر إلى أوضاع الدول الداخلية وخاصة الدول الثلاث الأساسية. في ألمانيا نمت الإنتاجية بنسبة أعلى من الأجور، بينما تعادلت في فرنسا وكانت النتيجة عكسية في إيطاليا.
أهمية الانتخابات الفرنسية أنها كانت اقتراعاً للوحدة الأوروبية ولمنطقة اليورو تحديداً بعد سنوات من الأزمات. نما الناتج في منطقة اليورو 0,5% في الفصل الأول من هذه السنة أي نسبة سنوية مقدرة ب 2% مقارنة ب 0,7% للولايات المتحدة. تحول ميزان الحساب الجاري في منطقة اليورو من سلبي 1,2% من الناتج في سنة 2008 إلى ايجابي 3,4% في سنة 2016.
كيف كانت النتائج الأولية للانتخابات الفرنسية الرئاسية والتشريعية؟ أهمها تحسن سعر صرف اليورو تجاه الدولار ليس فقط بفضله، وإنما أيضاً بفضل ترامب، حيث بدأت النتائج السياسية تسيء إلى هيبة الولايات المتحدة. للمرة الأولى بدأنا نسمع سياسيين أمريكيين حتى جمهوريين يقولون إنهم ربما لم يختاروا الكفاءة لأهم منصب في العالم. يظهر أن الولايات المتحدة ستمر بظروف صعبة تنعكس سلباً على الدولار، حيث بدأت الصحافة والسياسة تذكرنا بمرحلة ووترغيت. هل كل دول أوروبا «يونان» عانت وتعاني؟ العكس الصحيح والأمثلة عديدة على النجاح، أهمها البرتغال التي مرت بأوقات صعبة وها هي تستعيد أنفاسها وتتقدم. فالنمو يعود من جديد من 0,9% في سنة 2014 إلى 1,6% هذه السنة. البطالة تنحدر من 14% في سنة 2014 إلى 9,8% هذه السنة. يخف عجز الموازنة من الناتج من 7,2% في سنة 2014 إلى 2% هذه السنة، أي أدنى من المسموح به أوروبياً وهو 3%. أما الوضع التجاري، فتحوّل من عاجز إلى فائض اليوم حوالي 0,4% نتيجة السياسات التي اتخذت وجهود القطاع الخاص. أهم سياسة قامت بها الحكومات البرتغالية المتعاقبة هو رفض الوقوع في فخ التقشف التي ما زالت تعاني اليونان منه.
هنالك المثال الآخر الأيرلندي، حيث مر الاقتصاد بأزمة كبيرة في 2008 ويتعافى تدريجياً، حيث يبلغ معدل النمو 3%. تتأثر أيرلندا حكماً بما يجري في بريطانيا حول البركسيت ليس فقط بسبب الجغرافيا وإنما أيضا بسبب الخليط السكاني. نسبة البطالة الأيرلندية 5% وهي ممتازة أوروبياً بل دولياً. شجعت الحكومات الأيرلندية على الاستثمارات لديها عبر تخفيض الضرائب والمثال الأهم هو استثمارات شركة «أبل» فيها وتجنبها شرعياً لدفع مليارات الدولارات من الضرائب الأوروبية. بعد تنفيذ البريكسيت، من الممكن أن تحل دابلن مكان لندن بسبب التجانس الثقافي واللغوي، علماً أن كلاً من باريس وفرانكفورت تبذلان جهوداً كبرى للاستفادة من الخروج البريطاني. الموازنة الأيرلندية متوازنة بل مع فائض خفيف 0,5% من الناتج أي التزام كلي باتفاقية ماستريخت حول اليورو. الدين العام لا يتجاوز 60% وميزان الحساب الجاري فائض 5% من الناتج. التجربة الأيرلندية ناجحة بكل المعايير مع دخل فردي يقارب 57 ألف يورو وعدد سكان 5 ملايين شخص.ما الذي تحتاج إليه منطقة اليورو لتقوية المنافع وتخفيف الشوائب؟
أولاً: بناء قوة مركزية مالية في بروكسل وإعطاؤها الحقوق والإمكانات للتأثير. إدخال الديمقراطية أكثر إلى مجلس النواب الأوروبي، بحيث لا يكون واجهة بل مجلساً تشريعياً فعلياً.
ثانياً: اعتماد السياسات التي تقوي الإنتاجية أي نقل الحوار الاجتماعي من العطل والمنافع إلى العمل والإنتاجية .
ثالثاً: عدم التركيز الأعمى على سياسات التقشف. هذه سياسات مهمة ومطلوبة لكنها ليست أهم من الاستقرار الاجتماعي والعمل والحقوق والصحة وغيرها. التركيز على التقشف دفع بدول عدة إلى الهاوية كاليونان.
رابعاً: يجب إبقاء السياسة النقدية على حالها أي عدم تقييد الكتلة النقدية بسرعة، لأن الأوضاع الاقتصادية العامة لم تسلم كلياً بعد خاصة في غياب خطر تضخمي واضح وجدي.
هنالك مصلحة في تقوية العلاقات العربية الأوروبية في السياسة والاقتصاد والتبادل التجاري والمالي والاستثماري. هنالك تكامل بين الميزات التفاضلية لا بد من تطويره لمصلحة الطرفين. المطلوب إرادة واضحة وإيجاد الآليات المناسبة.
لويس حبيقة
* كاتب اقتصادي لبناني
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"