العقار في الصين

04:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

يتزايد تركيز اهتمام الاقتصاديين والمحللين والمعلقين على اقتصادات دول ما تسمى الاقتصادات الصاعدة السريعة مثل الصين والبرازيل والهند وروسيا وإلى حد ما جنوب إفريقيا . ذلك لأن الاقتصادات المتقدمة التقليدية تعاني مشكلات دين عام وتباطؤ نمو تجعل التعافي الاقتصادي من الأزمنة الأخيرة هشاً وغير مضمون الاستمرار . إلى جانب أن الإجراءات التي يتم اتخاذها حتى الآن في الاقتصادات الرأسمالية التقليدية لتلافي الأسباب التي أدت إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من ثلاث سنوات لا تشير إلى أن العالم تعلم الدرس أو أنه جاد في التخلص من العيوب الهيكلية في النظام المالي والاقتصادي العالمي .

لذا، يزداد الاهتمام بالاقتصادات التي تتجذر فيها تلك العيوب ولا تزال تشهد معدلات نمو أضعاف ما كانت عليه الاقتصادات المتقدمة التقليدية حتى قبل الأزمة . إذ إن الأمل في استمرار نمو تلك الاقتصادات يشجع على التفاؤل بإمكانية أن تمثل قاطرة للتعافي العالمي تنتشل الاقتصادات المتقدمة التقليدية من عثرتها التي قد تطول بما يحافظ على الاقتصاد العالمي بعيداً عن حالة انهيار تام وكساد عميق . ويعول كثيرون على استمرار قوة النمو في الاقتصاد الصيني، رغم مخاطر كثيرة لا يمكن إغفالها تتعلق بارتفاع معدلات التضخم فيه والاختلالات الداخلية المتعلقة بالفجوة بين الأغنياء والفقراء واستمرار ضعف الإنفاق الداخلي بشكل عام .

ومن بين القطاعات المهمة في الصين والتي تشكل بؤرة اهتمام للمتابعين لتطورات الاقتصاد العالمي قطاع العقار . ومع استمرار عوامل الأزمة في هيكل الاقتصاد العالمي، يظل العقار بؤرة اهتمام إذ إن الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد في العالم كانت شرارة حريق انهيار النظام المالي العالمي في الأزمة الأخيرة . لذا فقطاع العقار في الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي تقريباً قد يمثل نقطة تحول في مسار التعافي الاقتصادي العالمي في السنوات القليلة المقبلة، وفي غضون عامين تحديداً . فمن شأن فقاعة عقار صينية تنفجر بأزمة مالية جديدة أن تترك الاقتصاد العالمي في حالة كساد عميق لعقد كامل على الأقل بما يشكل كارثة حقيقية لكل دول العالم .

إلا أن الاقتصاديين التقليديين، القانعين بالإجراءات التجميلية في الاقتصاد العالمي من دون معالجة جذرية لأسباب الأزمة السابقة، ينشطون الآن للترويج لسلامة قطاع العقار في الصين . بل حتى يدعون المستثمرين الكبار في العالم إلى الاستثمار بكثافة في قطاع الإنشاءات الصيني باعتباره أفضل فرصة في السنوات العشر المقبلة . وفي هذا السياق نشرت وحدة تحليلات الايكونوميست تقريراً خاصاً عن احتمالات استدامة نمو قطاع العقار الصيني .

لا يتوقع التقرير فقاعة عقارية تنفجر في الصين في المستقبل المنظور، وإنما يخلص إلى أن يشهد القطاع الصيني تصحيحاً قصير الأمد . وعلى الأقل، على مدى العقد المقبل حتى ربع القرن الحالي، سيشهد الطلب على العقار في الصين نمواً لعدة عوامل من أهمها الزيادة في تحول السكان من الريف إلى الحضر وزيادة المساحة السكنية للفرد في المناطق الحضرية .

وبالأخذ في الاعتبار معدلات نمو قطاع الإنشاءات حالياً في الصين، يمكن للصين أن تبني مدينة في حجم العاصمة الإيطالية روما في غضون أسبوعين . ومنذ مطلع القرن حتى ،2010 أي في غضون العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم بناء مساكن في الصين توازي ضعف عدد المساكن في بلد كإسبانيا أو بريطانيا، أو ما يوازي إجمالي عدد المساكن في اليابان حالياً .

أما بالنسبة، للمساحة السكنية المخصصة للفرد فقد تضاعفت في المناطق الحضرية خلال تلك الفترة . ومساحة السكن بالنسبة للفرد في المناطق الحضرية في الصين كبيرة بالمعدلات العالمية إذا أخذنا في الاعتبار متوسط الدخل في الصين . ومن المتوقع أن يواصل سكان الحضر في الصين النمو حتى عام ،2039 وبالتالي فإن مؤشر النمو في قطاع السكن سيواصل الارتفاع في العقد المقبل وستظل معدلات النمو قوية .

ويتوقع التقرير أن يرتفع سكان الحضر في الصين ما بين 2011 و2020 بنسبة 1 .26 في المئة أي بزيادة 160 مليون نسمة، مع زيادة في فائض الدخل لسكان الحضر بأكثر من مرتين ونصف المرة (6 .2 ضعف) إلى 51310 رينمنبي (أي نحو 7500 دولار بأسعار التحويل الحالية)، وسيرتفع نصيب الفرد من مساحة السكن في المناطق الحضرية من 30 متراً مربعاً في 2008 إلى 41 متراً مربعاً عام 2020 .

وسيؤدي التوسع في بناء المساكن ونمو القطاع العقاري في الصين إلى استمرار نمو قطاعات معاونة مثل صناعة الأساس ومواد البناء وحتى صناعة السيارات . واستناداً إلى معيار الاستثمار في الأصول الثابتة الصيني يتوقع إنفاق ما يصل إلى 75 تريليون رينمنبي من الاستثمارات في العقار في العقد المقبل حتى ،2020 ويوازي ذلك 5 .11 تريليون دولار بأسعار التحويل الحالية أي ما يوازي خمسة أضعاف الناتج المحلي البريطاني الحالي . ونتيجة استمرار نمو الطلب العقاري في الصين وتوسع الاستثمار في قطاع الإنشاءات يتوقع نمو الطلب على الحديد والطاقة بما يصل إلى نسبة 40 في المئة في تلك الفترة، وسينعكس هذا بالتالي على الطلب العالمي على تلك المواد الخام مثل الحديد والنفط .

وخلاصة تقرير الإيكونوميست أن الاقتصاد الصيني، وقطاع العقار في قلبه، سيمكنه توفير فرصة لاستمرار النظام المالي العالمي بكل عيوبه الهيكلية التي أدت إلى الأزمة الأخيرة وتجاوزه الركود الحالي . إلا أن تلك التوقعات لا يمكن أن تكون حاسمة، ما لم تأخذ في الاعتبار تأثر الاقتصاد الصيني بعوامل خلل داخلية وبمشكلات الاقتصادات الكبرى في العالم وفي مقدمتها مشكلات الاقتصاد الأمريكي . ومن الصعب الجزم بأن فقاعة العقار الصينية لا تمثل خطراً جديداً على الاقتصاد العالمي قبل أن نرى تحسناً واضحاً في التعافي الاقتصادي في بقية الاقتصادات الرئيسة في العالم .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"