أسباب انخفاض الدولار

03:03 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة *

أصبحت رؤية 2030 في السعودية معروفة عالمياً ومضرب مثل للرؤية الواقعية المتكاملة للمستقبل. ستعطي النتائج الإيجابية خاصة إذا ركزت في التنفيذ على عاملين أساسيين هما السياحة التي لها أفق كبير لكنها تحتاج إلى تطوير البنية التحتية. وثانياً الخصخصة حيث إن بيع 5% من أسهم «أرامكو» السنة المقبلة مهم جداً مهما كان السعر إذ إن الأسواق المالية متشنجة
تعاني دول مجلس التعاون الخليجي مشكلتين أساسيتين هما ضعف الدولار وانخفاض أسعار برميل النفط. لا شك في أن الخلافات السياسية الحادة المعلنة والواضحة تعرقل أيضاً عملية التنمية والنهوض الاقتصادي بالرغم من وجود أفكار ممتازة هدفها التنويع تقوم بها كل دولة بمفردها مع ضرورة جمع الجهد للنجاح المستقبلي المشترك.
إيرادات الدول الست المعتمدة أساساً وإن يكن بنسب مختلفة على النفط انخفضت قيمتها الاسمية كما الحقيقية. يأتي هذا الانخفاض في وقت ترتفع خلاله التحديات السياسية والاجتماعية والمعيشية على أرض الواقع. حسن إدارة التحديات هو في غاية الأهمية وهنالك أمل كبير في الوجوه الجديدة الحالية والمستقبلية، والتي من المتوقع أن تحدث نقلة نوعية في الرؤية والتنفيذ لمصلحة الشعوب.
انخفض الدولار في الأسواق العالمية منذ فترة خاصة مع تولي «دونالد ترامب» رئاسة الولايات المتحدة، وانخفاضه يؤثر سلباً في المستوى المعيشي في الدول الخليجية التي تستورد معظم حاجاتها.
ما هي أسباب انخفاض الدولار وهل هنالك أمل في تحسنه في المستقبل القريب؟
أولاً: تصريحات الرئيس ترامب بأن الدولار مرتفع وبالتالي مضر للصادرات الأمريكية فعلت فعلها وسببت عرضاً للنقد في الأسواق. لم تتجاوب الصادرات بعد لأن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود إنتاج كاف ونوعي مطلوب في الأسواق الخارجية. الواردات لم تخف بعد لأن الأمريكيين اعتادوا على شراء السلع الأجنبية بسبب عاملي النوعية والسعر. تصريحات ترامب نجحت في تخفيض سعر الصرف لكنها لم تنجح بعد في تحسين وضع الميزان التجاري، وهذا ما يفسر قلقه أو غضبه تجاه الخارج.
ثانياً: هنالك عامل مقلق هو رغبة الرئيس في تغيير حاكمة المصرف المركزي «جانت يلين» عندما تنتهي ولايتها بالرغم من نجاحها في مهامها.
استقالة نائب الرئيس «ستانلي فيشر» المفاجئة كان لها التأثير السلبي الكبير في الأسواق والمعنويات. يريد ترامب رفع الفوائد بسرعة أكبر لضرب المظاهر التضخمية وهذا ما تعارضه «يلين» خوفاً من ضرب النمو الهش حتى اليوم. المقلق أكثر أن هنالك 4 مراكز شاغرة في إدارة المصرف من 7 سيملؤها الرئيس، ما يعني عملياً أن استقلالية المصرف المركزي مهددة في الواقع. مجرد التفكير في تغيير الإدارة يقلق الأسواق ويؤثر سلباً في سعر الصرف. ما يظهر من الرئيس لا يطمئن خاصة في هذه الظروف المتقلبة سياسياً وأمنياً.
ثالثاً: هنالك تحسن واضح في النمو الأوروبي والآسيوي، أي أن هذه الاقتصادات أصبحت جاذبة أكثر اليوم وبالتالي تتوجه الأنظار إليها وإلى نقدها. نمت منطقة اليورو بنسب سنوية قدرها 1,8% في سنة 2016 و2,1% هذه السنة أي أن أوروبا تجتاز بخطى ثابتة الأزمة الكبيرة التي وقعت فيها. في آسيا يرتفع النمو من 6,4% إلى 6,5% هذه السنة مما يشير أيضاً إلى أن النهوض القوي مستمر ومطمئن. وحدها منطقتنا العربية تعاني، أي انخفاض النمو من 5% السنة الماضية إلى 2,6% هذه السنة بسبب أسعار النفط مما يشير مجدداً إلى أهمية التنويع الاقتصادي ليس فقط خليجياً وإنما في كل دول المنطقة.
رابعاً: هنالك عوامل خارجية مهمة منها تصرفات المصارف المركزية المنافسة وبشكل خاص المصرف المركزي الأوروبي. أعلن رئيس المصرف «ماريو دراجي» أنه يريد تخفيف عمليات شراء الأصول في الأسواق مما يعني أنه يفكر بتخفيف نمو الكتلة النقدية خوفاً من ظهور التضخم الذي يترافق عموماً مع زيادة النمو. هذه السياسة المعلنة تحسن وضع اليورو في الأسواق، إذ تخفف عرضه وبالتالي تؤثر سلباً في العملات المنافسة وفي طليعتها الدولار.
مجموع هذه العوامل يؤدي إلى أسعار صرف تنافسية للدولار لا يظهر أنها ستتغير في القريب المنظور. لذا إن إيرادات الدول الخليجية لن تتحسن بالمعنى الشرائي للكلمة خاصة وأن أسعار النفط لا يظهر أيضاً أنها ستتطور إيجاباً بالرغم من بعض التحسن مؤخراً. أسعار النفط مرتبطة بالطلب والعرض والاحتياطي المتوافر كما البدائل المتوافرة من نفط صخري ومصادر منافسة للطاقة. كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي بشكل أو آخر إلى اقتناع بأن أسعار النفط لن تتحسن كثيراً في المستقبل المنظور. إيرادات الدول الخليجية ستبقى متأثرة بهذا الواقع، لكن السياسات المتبعة تشير إلى نجاح متوقع في إدارات الدول عبر التنويع والترشيد والخصخصة المقررة في بعض الدول.
أولاً: في السعودية، أصبحت رؤية 2030 معروفة عالمياً ومضرب مثل للرؤية الواقعية المتكاملة للمستقبل. ستعطي النتائج الإيجابية خاصة إذا ركزت في التنفيذ على عاملين أساسيين هما السياحة التي لها أفق كبير لكنها تحتاج إلى تطوير البنية التحتية. وثانياً الخصخصة حيث إن بيع 5% من أسهم «أرامكو» السنة المقبلة مهم جداً مهما كان السعر إذ إن الأسواق المالية متشنجة. الاحتياطي النقدي المتوافر 500 مليار دولار ما زال كبيراً وكافياً لعبور المرحلة الانتقالية بهدوء ونجاح.
ثانياً: دولة الإمارات حيث التنوع واضح وهنالك رغبة عالمية في التوجه إليها للاستثمار والعمل. دبي معروفة عالمياً ك «معجزة اقتصادية»، إلا أن الإمارات الأخرى ناجحة أيضاً بأشكال وألوان وخصائص مختلفة. في كل المعايير والمؤشرات العالمية، تأتي دولة الإمارات في الطليعة إقليمياً ومتقدمة أيضاً دولياً وهذا يعود إلى الاستقرار المطمئن داخلياً وللخارج أيضاً. اقتصاد ناجح ومن المتوقع أن يبقى ناجحاً بفضل الرؤية والتنوع وحسن الضيافة والاستقبال.
ثالثاً: دولة قطر التي تواجه تحديات كبرى منذ 5 يونيو/‏ حزيران في السياسة والاقتصاد ولا بد من إيجاد الحلول المناسبة للنجاح المشترك إقليمياً. خفضت احتياطها النقدي البالغ 33 مليار دولار لمواجهة التحديات الاقتصادية. هنالك خروج للأموال بسبب القلق وتوافر فرص استثمارية مناسبة في الخارج. هنالك انخفاض في الحركة التجارية، كما أن بعض الأسعار ارتفع في الداخل بسبب انخفاض العرض وارتفاع تكلفة النقل والتمويل. هنالك انخفاض واضح في الاستثمارات الجديدة وفي الزيارات.
لكن تحرير بعض القيود على السفر يعدل بعض الشيء. ليس هنالك قلق على المستقبل الاقتصادي للدولة لأن المشكلة هي سياسية، وبالتالي يمكن أن يأتي الحل في ساعات وتعود الأمور إلى مجاريها.
رابعاً: الكويت حيث وضعت رؤية 2035 التي تهدف إلى زيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة حوالي 300% وتقوية حصة القطاع الخاص في الناتج من 30% إلى 40% قبل سنة 2020. ارتفاع عجز الموازنة من 15,3 مليار دولار في سنة 2015 إلى 29 ملياراً في 2016 يدعو إلى المعالجة الجدية التي يظهر أنها بدأت خاصة من ناحية ترشيد الإنفاق الاستهلاكي. الإنفاق الاستثماري على البنية التحتية يرتفع منها توسيع المطار بحيث يستوعب 3 أضعاف القدرة الحالية. هنالك استثمارات في التعليم والنفط والاستشفاء. رؤية طموحة لدولة تسعى لتحقيق الوفاق في المنطقة.
خامساً: عمان والبحرين حيث يعتبر التنوع داخلهما متقدماً لكن الاستثمارات الخارجية لم تأت بعد كما هو متوقع. طبعاً تأثير الأوضاع الخارجية في الاقتصادين واضح. تقع عمان في المرتبة 66 عالمياً من ناحية سهولة الأعمال تبعاً للبنك الدولي والبحرين في المرتبة 63 مما يشير إلى أن الطاقات المستقبلية واعدة. في مؤشر الشفافية الدولية تأتي عمان في المرتبة 64 والبحرين في المرتبة 70 مما يشير أيضاً إلى سمعة خارجية جيدة للاقتصادين. في كل حال تبقى المنطقة واحدة والنجاح للجميع في حال أحسنت إدارة الثروات المادية والبشرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"