عادي

البعد العنصري لـ “إيبولا”

05:46 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد : عمر عدس وصباح كنعان
أثار موت المهاجر الليبيري (الأسود) إلى الولايات المتحدة، توماس دنكان، بفيروس الإيبولا، دون إعطائه الدواء اللازم، أسوة بالمرضى (البيض) الآخرين، امتعاض كثيرين ممن اعتبروا ذلك، ممارسة عنصرية .
ي موقع شبكة "سي إن إن"، (9-10-2014)، وتحت عنوان "العنصرية الضمنية في مأساة إيبولا"، كتبت روبن رايت (الزميلة المشتركة في مركز وودرو ولسون الدولي، والمعهد الأمريكي للسلام، التي أمضت سبع سنوات في إفريقيا، ضمن جولاتها حين كانت مراسلة أجنبية)، إن مأساة إيبولا لا تقتصر على ما يسببه من خسائر مذهلة في الأرواح، بل في العنصرية الضمنية أيضاً، التي بذر هذا الفيروس الفتاك بذورها . وما يشيع عنه من حكايات، يبعث على الغثيان، وبخاصة تقرير وكالة رويترز، الذي نشرته هذا الأسبوع، وذكرت فيه أن أطفالَ مهاجرينَ أفارقةٍ في مدينة دالاس- أطفالاً صغاراً أبرياء لا علاقة لهم بتوماس دنكان، مريض الإيبولا الليبيري الذي قضى نحبه يوم الأربعاء، 8-،10 في مستشفىً مَحلي- قد وُصموا بأنهم "أطفال الإيبولا"، لا لشيء، إلاّ إرثهم العرْقيّ أو لون بشرتهم .
ففي كل من الولايات المتحدة وأوروبا، يستمرّ فيروس الإيبولا في إثارة التنميط العنصري، وبعث التصورات عن "القارة السوداء" من رقادها . ويجري تصوير هذا المرض بإصرار، على أنه غرب إفريقي، أو إفريقي، أو من بلدان تقع في جزء من العالم، أسود من الناحية العرقية، حتى مع عدم وجود أي تمييز طبي بين الأجناس، في قابلية الإصابة بالمرض .
وتشير الكاتبة إلى تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" مؤخراً، حيث احتلت صفحة الغلاف صورة لقرد شمبانزي، مع عنوان بالخط العريض يقول، "بابٌ خلفي للإيبولا: لحم الطرائد المهرب، قد يشعل شرارة وباء في الولايات المتحدة" . وتعلق الكاتبة قائلة: بصرف النظر عن القصد والنوايا، فإن هذه الصورة خاطئة .
ويتبيّن أن التقرير أيضاً، ربما كان خاطئاً، كما كشف تحقيق لصحيفة واشنطن بوست . فقد ذكرت الصحيفة، أن انتشار مرض الإيبولا الأخير "يُرجّح ألا تكون له أي علاقة باستهلاك لحم الطرائد"، ولا يوجد دليل قاطع على أن فيروس المرض قد انتقل من الحيوانات إلى البشر . وتدور إحدى نظريات انتقال المرض من الحيوان إلى الإنسان، على خفافيش الفاكهة الميتة، لا على الشمبانزي . وحتى هذه النظرية لا تحظى بتأييد كبير .
وخلصت الصحيفة إلى القول، إنه "لا يُحتمل في واقع الأمر، أن يتمكن تهريب "لحوم الحيوانات المفترسة" من نقل مرض إيبولا إلى أمريكا" .
ولكنّ الأذى قد تحقق . فمع تغلغل الذعر العميق، يتغلغل خطر تعمق العنصرية أيضاً- على الطائرات، وفي وسائل النقل العام، وفي طوابير الانتظار، وفي الشوارع وفي نظرات الناس .
وتقول الكاتبة، إن فيروس إيبولا مأساة إنسانية، تماماً مثلما فيروس الأمعاء، دي-،68 الذي يسبب ضعفاً مفاجئاً في العضلات، ومشاكل حادة في الجهاز التنفسي، وبخاصة بين الأطفال . وقد ظهر في الولايات الأمريكية الخمسين جميعها تقريباً، مع إصابة نحو 500 أمريكي حتى الآن، أي أكثر بكثير من أي وقت .
وقد شرع في القتل، بادئاً بطفل في الرابعة من العمر في ولاية نيو جيرسي . وأُبلغ عن خمس حالات جديدة في نيوجيرسي وحدها يوم الثلاثاء، 7-10 . ولا توجد لقاحات مضادة للفيروس أو علاجات ناجعة .
ومع ذلك، فإن فيروس الأمعاء دي-68 معروف باسم ورقم علميّيْن . (أمّا فيروس إيبولا، ومن سوء حظّ الأفارقة، أنه قد سُمّي على اسم النهر الكونغولي، حيث تمّ اكتشاف انتشاره أول مرة) .
وتمضي الكاتبة قائلة، إن حكاية توماس دنكان، تعكس تصوّرات عرقية . وقد توسلت صديقته، لويز، التي ذُكر أنه كان في زيارة لها في مدينة دالاس، توسلت علناً لكي يُعطى نفس الدواء التجريبي "زدْماب"، الذي أعطي لمُبشّريْن أمريكيين (أبيضين)، كانا قد أصيبا بالمرض في إفريقيا، وأعيدا بالطائرة مؤخراً إلى الولايات المتحدة .
وقالت ضمن مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، "إنّي أتوسل إلى الله، وأطلب من الحكومة الأمريكية، إعطاءه الدواء الذي تعطيه لمَن يأتون من ليبيريا . . أرجوكم . . أتوسل إليكم، ساعدوني على إنقاذ حياته . . . تحدّثوا إلى الأطباء . سوف يجدون وسيلة للحصول على دواء يشفيه . إنه لا يزال فتِيّاً" .
ورفضت لويز، أن يُستخدَم اسمها الأخير خوفاً من التداعيات . ولسوء الحظ، قال الأطباء، والجهة المطوّرة للدواء، إنه لم يبق شيء من عقار "زدْماب" لمعالجة دنكان أو غيره من الضحايا . ولكن التصوّر الذي رافق محنته يظل قائماً: وهو أن البيض يمكن نقلهم جوّاً إلى الولايات المتحدة أو أوروبا مهما كلف ذلك، بينما يُترك الأفارقة ليموتوا دون اعتناء في شوارع ليبيريا أو سيراليون . أو الآن، من دون دواء "زدْماب"، في مدينة دالاس .
وتستشهد الكاتبة بقول الأستاذة في كلية الطب في جامعة هارفارد، "جويا موخيرجي"، عبر إحدى وسائل الإعلام، في الشهر الماضي، "من السهل على العالم- العالم القوي، الذي هو غير إفريقي في معظمه، وغير ملوّن- أن يتجاهل معاناة السّود الفقراء" . وقالت، إن من السهل اعتبار أزمة إيبولا، أزمة لدى الآخَر .
وفي موقع "كومون دريمز"، (17-10-2014)، كتبت سونالي كلهتكار: إن عائلة دنكان، التي أصابها الحزن جراء موته، تثير التساؤلات حول كون الشخص الوحيد الذي مات لإصابته بفيروس إيبولا، على التراب الأمريكي، رجلاً أسود . وتقول إن موت دنكان، نجَم عن تصرفات يمكن أن يكون منبعها عنصرياً، مع الأخذ في الاعتبار، أنه لم يُنقل إلى المستشفى الذي تلقى فيه مرضى الإيبولا الآخرون علاجاً ناجحاً . وفي واقع الأمر، بينما اعتُبر مرضى إيبولا الآخرون ضحايا، نُظر إلى دنكان من قبل السلطات، على أنه ناقل مؤذٍ للمرض الفتاك . وحتى وهو يصارع الموت متشبثاً بأهداب الحياة، أعلن نائب عام في المقاطعة، أنه يدرس توجيه اتهامات جنائية إليه .
وتقول الكاتبة إن التصورات التي يحملها الناس مهمة، وفي السياق الاجتماعي والسياسي الحالي في الولايات المتحدة، فإن المسألة التي طرحتها عائلة دنكان وجيهة، لأننا في أعقاب ما حدث معه، نشهد مستوىً مقلقاً من ردّة الفعل العنيفة ضد المهاجرين ذوي البشرة الداكنة، بمن فيهم أطفالُ مهاجرين أفارقةٍ في دالاس، يوصَمون بأنهم "أطفال الإيبولا"، وسكانٌ في حيّ دنكان الحافل بالمهاجرين، يشعرون بممارسة التمييز العنصري ضدّهم شخصياً، في أماكن العمل وفي المطاعم .
وفي صحيفة "الغارديان"، (16-10-2014)، ترُدّ الكاتبة الأمريكية (السوداء)، حنة غيورغيس، إهمال حالة دنكان، وعدم معاملته كما عومل مرضى إيبولا الآخرون في الولايات المتحدة، إلى أنه "كان أسود . . وفقيراً، وإفريقياً" .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"