حديث المنطقة الآمنة في سوريا

04:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

«حديث» المنطقة الآمنة في شمال سوريا أشبه بحكاية إبريق الزيت الذي يختفي الحديث عنه ثم يعود ليظهر، وهكذا دواليك من دون أي نتيجة.
على عجل جاء المبعوث الأمريكي في سوريا جيمس جيفري إلى أنقرة، ليجتمع بالمسؤولين الأتراك، ولا سيما وزير الدفاع خلوصي آقار. موضوع البحث هو طلب تركيا إقامة «منطقة آمنة» في شمال سوريا في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد بحماية ورعاية أمريكية. من البيانات التركية أن المحادثات ستتواصل، وهو ما يشير إلى أنها لم تصل بعد إلى نتيجة ملموسة.
عشية الزيارة كانت أنقرة تحشد المزيد من القوات في بعض المناطق المواجهة لمدن كوباني وتل أبيض، وتستعرض إعلامياً هذه الحشود بحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان التركيين.
سبق زيارة جيفري إلى أنقرة تصريحات «نارية» لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو يهدد فيها بأنه إذا لم يُتوصل إلى اتفاق على المنطقة الآمنة، فإن تركيا ستتحرك مباشرة وتنظف منطقة شمال شرق الفرات من قوات الحماية الكردية التي تعتبرها أنقرة «إرهابية» وامتداداً لحزب العمال الكردستاني.
يأتي هذا التهديد في توقيت غير مبرر، إذ ليس من أي تطور يستدعي تنفيذ عملية عسكرية تركية في مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).
ولكن ربما يكون الدافع متشعباً. من ذلك محاولة أردوغان التعويض عن هزيمته في الانتخابات البلدية، ولا سيما في إسطنبول وأنقرة وتراجع صورته، وذلك عبر مغامرة عسكرية خارجية ليس من متنفس لها الآن سوى شمال شرق الفرات. علماً أنه كان بدأ قبل الانتخابات البلدية عملية «المخلب» المتواصلة في شمال العراق.
كذلك ربما هي محاولة ضغط على واشنطن التي هددت بوقف برنامج تسليم تركيا طائرات «إف 15» المتطورة رداً على شراء تركيا صواريخ «إس 400» المتطورة كذلك من روسيا.
لكن السؤال هو حول طبيعة المنطقة التي تريدها تركيا وإمكانية تطبيق ذلك.
تريد تركيا منطقة آمنة بعمق من 30 إلى 40 كيلومتراً. على أن ينسحب منها كل المقاتلين الأكراد، ويعود سكانها المهجرون إليها على أن يتولى الأمن فيها تركيا والولايات المتحدة مباشرة وبصورة مشتركة. وفي حال تحقق ذلك تكون تركيا حققت أحد أهم أهدافها بإبعاد «الخطر الكردي» عن حدودها من جهة، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة من جهة أخرى من دون أن تهدر نقطة دم واحدة.
مثل هذا السيناريو يقوّي أيضاً موقع تركيا داخل المعادلة السورية ليست فقط ضد الأكراد والنظام، بل كذلك ضد روسيا وإيران باعتبار أن تركيا يمكن أن تستخدم ورقة «المنطقة الآمنة» بالتعاون مع الولايات المتحدة ورقة ضغط على روسيا وإيران والنظام لمواجهة أي محاولات وضغوطات يمكن أن تتعرض لها لضرب المسلحين في منطقة إدلب، أو لمنع أي عملية عسكرية سورية واسعة بمساعدة روسيا ضد إدلب.
لكن في الوقت نفسه ليست الأمور بهذه البساطة، فتركيا تعرف وتعلم أن مناطق السيطرة الكردية هي بحماية القوات الأمريكية، وهي التي تسلح الأكراد، وأي محاولة تركية للهجوم على مناطق في شمال شرق الفرات تعني أنها موجهة ضد الولايات المتحدة. وهنا إما أن ترفض أمريكا هذا التوجه التركي، فيقف عند حدّه، وإما تغض النظر وتسمح لتركيا بعملية عسكرية محدودة لضرب أو حتى احتلال بعض المناطق في المنطقة مثل كوباني وتل أبيض. وهذا في الوقت نفسه له مخاطر على التحالف الكردي- الأمريكي، وتخسر واشنطن ورقتها شبه الوحيدة في الساحة السورية (هناك قاعدة التنف). ولا يبدو في الأفق أن الوقت حان لتتخلى واشنطن عن الورقة الكردية في سوريا. فالتنافس مع روسيا والضغط على إيران والخلافات مع تركيا لا تزال قائمة، والتواجد العسكري الأمريكي في سوريا ودعم الأكراد لا يزال الورقة الأكثر تأثيراً لأمريكا في لعبة عض الأصابع في سوريا.
وفي مطلق الأحوال فإن أي عملية عسكرية تركية واسعة أو محدودة في شمال شرق الفرات أو أي مشروع لإقامة «منطقة آمنة» لا يمكن أن يحصل من دون موافقة أو التفاهم مع الولايات المتحدة. وسنرى في الأيام والأسابيع المقبلة ما إذا كان هناك تغيير في سياسة أمريكا السورية أم لا، خصوصاً في عهد دونالد ترامب المتذبذب على قاعدة «كل يوم بيومه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"