الحاجة إلى جهد وفكر إسلامي مؤسسي

05:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. علي محمد فخرو

يحار الإنسان من مواقف المؤسسات الرسمية الإسلامية والتجمعات المدنية الإسلامية من الممارسات الدينية الخاطئة والصور المتخلفة لفهم الدين، كأن لديها خوفاً غامضاً من الاصطدام المباشر مع الجموع التي تقوم بتلك الممارسات والأفهام.
إنها بذلك تقوم بنصف مسؤولياتها، وتتجنّب القيام بالنصف الآخر، إذ لا يكفي أن تنطق بما تعتقده صحيح الدين، وإنما عليها مسؤولية النطق الواضح الصريح بما تراه مخالفاً لنصوص وروح الدين.
لنأخذ أولاً موضوع الجهاد الإسلامي التكفيري العنفي الذي أصبح أحد أخطر أمراض المجتمعات العربية والإسلامية، وأحد أكبر وأخطر أسباب تراجع صورة الإسلام في العالم كله.
إن المؤسسات الرسمية والتجمعات الأهلية المدّعية بأن عليها مسؤولية دينية وأخلاقية وثقافية لحماية الدين الإسلامي لا تفعل أكثر من الاعتراض الخجول على هذه الممارسة أو النصّح المتردّد بشأن ذاك الفهم من خلال مؤتمرات واجتماعات تثير غباراً مؤقتاً ثم ينساها الناس.
هذا الموقف المائع الخجول مدّ في عمر تلك الظاهرة، وفي بقاء الكثيرين أنصاراً لها، وفي انطفائها في مكان، لتظهر في مكان آخر. وإلا فلو أن المؤسسات الرسمية والتجمعات الأهلية عقدت اجتماعات مشتركة متواصلة، لتخرج بإدانة جلية عن شجب الدول والمجتمعات لما أصبح عاراً تاريخياً، لما كان من الممكن أن تستمر تلك الظاهرة سنة بعد سنة، بدعم من أفراد وحكومات وقوى خارجية، يقف الإسلام الحقيقي العادل النّقي في طهارته ومقاصده الإلهية الكبرى عاجزاً عن الوقوف في وجه أخطر مؤامرة جاهلة واستخباراتية على بلدان وأتباع هذا الدين الحنيف.
لكن ما هو مطلوب من تلك الاجتماعات أيضاً هو أن تهب إلى أعماق الجانب الديني من تلك الظاهرة المتمثلة في كثير من جوانب الضعف والدسّ والتضادات التي يزخر بها الفقه الإسلامي، وفي الاعتقاد الخاطئ أن الفقه جزء مقدّس لا يمكن نقده أو الخروج عن بعض ما جاء فيه، وفي عدم إفهام وإقناع العامة بأن الفقه هو حصيلة اجتهادات بشرية مشكورة، ولكن غير مقدسة، من قبل فقهاء عاشوا منذ قرون طويلة في مجتمعات مختلفة بصورة جذرية عن مجتمعات الإسلام المعاصرة.
ما زال موقف الغالبيّة السّاحقة من علماء الدين، التابعين لكل المذاهب، يتصف بالغمغمة والخوف والتردد بالنسبة لكل ما جاء في الفقه من قراءات خاطئة المقاصد وأقوال القرآن الكريم والسنّة النبوية المؤكدّة بصورة قطعية، محتوى وتسلسلاً، وبالنسبة لكل ما هو غير عقلاني في ذلك الفقه، ولكل ما هو محرّف من قبل بعض فقهاء القوى السياسية المتصارعة عبر القرون.
من دون المراجعة التحليلية النقدية التجاوزية لفقه الجميع سيظل بإمكان المجانين الحصول على أقوال أو تفسيرات في كتب الفقه تبرّر أفعالهم العنفية التكفيرية التدميرية المتخلفة حضارياً.
لنأخذ ثانياً موضوع التطرف في ممارسة مراسم عاشوراء، فتعريض الجسد لشتى الآلام والإيذاء، من مثل التطبير بالسيوف وضرب الجسد بسلاسل الحديد، قد شجبه العديد من علماء الدين الشيعة كأفراد عبر سنين طويلة. لكن سنة بعد أخرى يقلب البعض المناسبة من احتفاء بالبطولة والفداء أمام الاستبداد والظلم إلى بكائية ولطم وتنوّع في وسائل تعذيب النّفس والجسد.
وكالعادة فإن من يشجّعون على ممارسة التطرف ذاك، يعتمدون على ما جاء في كتاب هذا الفقيه أو ذاك من فقهاء الشيعة، مع أن هناك خلافات في وجهات نظر علماء الشيعة حول صحة تلك الكتابات ومصادرها، كما هي الحال مع فقه السّنة.
فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تعقد اجتماعات مشتركة بين الجهات الدينية الرسمية والجماعات الأهلية الشيعية، لبحث هذا الموضوع واتخاذ موقف واضح وصريح من أية ممارسات خاطئة، ومن أية مصادر وأقوال فقهية غير مؤكدة، ومن خرافات تستند إليها بعض تلك الممارسات؟. هنا أيضاً توجد حاجة للتفريق التام بين ما هو مقدّس وما هو اجتهاد، وهو ما يسمعه الإنسان يومياً يقال من قبل بعض علماء الفقه الشيعي، لكن تنبيهاتهم ضائعة في ساحات الضوضاء الغوغائية.
لسنا معنيين بالأساليب التعبيرية الفردية، فالجوانب النفسية والقدرات العقلية والتنشئة الأسرية تلعب أدوراً كبيرة في تبنيها أو رفضها. لكننا معنيون بالممارسات الجمعية التي يباركها البعض، والتي يختلط فيها التراث الخاطئ أو المتخلف بالبلادات التاريخية التي ترسخت عبر القرون، وبالأهداف السياسية لهذه الجهة أو تلك، وبالأدعية والأهازيج المملوءة بالغضب والتشنج والتعصب، لينقلب المشهد إلى مشهد تقسيمي طائفي تصارعي في داخل الدين الواحد، وفي أوساط الجماعة الإسلامية الواحدة.
في المحصلة أصبح تطهير أصول دين الإسلام مما علق بها من غيبيّات وخرافات واجتهادات غير صالحة لهذا الزمن، ومراجعة حقل الأحاديث النبوية الذي امتلأ بكذب «الإسرائيليات» ولإقحامه الانتهازي في صراعات السياسة، ليستعمل في إلباس الفقه الاجتهادي البشري لباس القدسية.. أصبح كل ذلك وأكثر ضرورة وجودية دينية وثقافية وسياسية، تحتاج هي الأخرى إلى جهود مشتركة كبيرة، لنذكُر أنفسنا بقول الله تعالي: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ».
يخطئ من يعتقد أن الوقت غير ملائم، وأن التأجيل ممكن، ذلك أن هذا الدين قد أصبح في محنة من صنع بعض المحسوبين عليه ومن تكالب قوى خارجية استعمارية وصهيونية لتهميشه وتشويهه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"