التاريخ من منظور تكنولوجي

02:58 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

يثير الحديث المتواصل حول الصراع الأمريكي- الصيني فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة، وخاصة أزمة شركة هواوي، التفكير في الأسباب الحقيقية وراء اشتعال الكثير من النزاعات العالمية.
تاريخياً كانت الحروب تقع بسبب البحث عن الموارد ومصادر الطاقة، الأولى لحفظ حياة الكائن الإنساني نفسه، والثانية لتوظيفها في تقدم البشر، أي في منتجات تكنولوجية، ثم استخدام هذه الأخيرة في غزو جديد للوصول إلى أماكن أكثر ثراء، وإعادة اللعبة مرة أخرى، ولكن معظم الغزاة و مؤرخيهم ألبسوا حروبهم ثياباً أخرى، تارة عقائدية، وتارة قومية، أما من تحدثوا صراحة عن الغزو بوصفه سرقة لأرض الآخرين نتيجة لمنطق القوة فقد وصفتهم كتب التاريخ بالجبابرة والجزارين مع أنهم كانوا أكثر صدقاً مع النفس من الآخرين.
كانت التكنولوجيا، في الأغلب، لها الكلمة الفصل في أي نزاع، لم تكتسح جحافل التتار العالم إلا عندما تميزوا بتقنية قدرة الفارس على إصابة الخصم بسهم وهو يركض بسرعة، بخلاف السائد آنذاك حيث كان التصويب يعتمد على الثبات في موقع مدروس، أما جنود الحملة الفرنسية فكسروا المماليك في ساعات قليلة بسبب التنظيم الحديث للجيش، ونتيجة لملابس الجندي البسيطة والمناسبة أكثر لقوانين القتال المعاصرة من ملابس جنود المماليك التي كانت لا تزال فضفاضة تهدف إلى التباهي في حرب تبدأ بمبارزات بين أشجع الفرسان، تبدو هذه الأشياء الآن بسيطة ولكنها كانت فارقة في ذلك الوقت، والأمثلة عديدة وأكثر تعقيداً في الثورة الصناعية وما أعقبها من نهب العالم بناء على التقدم التكنولوجي المستتر بدعوى تمدين البرابرة، وهي الحالة التي تكررت في حروب القرن العشرين.
منذ عقود قليلة تنبأ بعض المنظرين بتحول التكنولوجيا إلى أيديولوجيا، أي أن الجميع سينزعون الأقنعة، فالصراع سيكون صراحة على مناطق الموارد والنفوذ، والنصر سيكون للأكثر تقدماً، من دون تصديع رؤوس البشر بأحاديث حول التنوير أو نشر الديمقراطية، هنا حالة هواوي نموذجية، حيث يسعى كل طرف إلى السيطرة على السوق وامتلاك الوسائل التي تمكنه من مراقبة الآخر، والهيمنة على الأدوات التي من خلالها يستطيع احتلال العالم الافتراضي، بالطبع لا تخلو وقائع الصراع من نغمة عن قيمة فكرية بين الحين والآخر، ولكن العالم يراقب المشهد وهو يدرك حقيقة الخلاف، لقد تفوق الغرب على الصين تماما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بسبب الطفرة التكنولوجية، خاصة البريطانية، فلمن ستكون الغلبة هذه المرة؟، وهل سيعقب الانتصار التكنولوجي، الانتصار على الأرض؟، وماذا عن رؤية العرب لما يحدث؟، هل سنستمر في استيراد التكنولوجيا؟، أم سننتظر مؤرخ المستقبل الذي ربما شبه وضعنا التكنولوجي الآن بعسكر المماليك عام 1798؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"