بين أقليّتين

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

دخل حمزة هارون يوسف التاريخ كأول مسلم يتولى رئاسة حكومة، ليس في اسكتلندا وحسب، وإنما في العالم الغربي بأكمله. منذ بدايات العصر الحديث والحكومات التي تتشكل في العالم العربي كان يترأس بعضهان أحياناً، أبناء الأقليات، ولا يزال البعض يكتب أن وصول أولئك إلى مواقع حساسة في حكومات عربية كان بفضل التحديث، وتقليد مشروع الاستنارة الغربي، ولم يكلف معظم من كتب ذلك نفسه عناء النظر إلى الواقع الغربي، أوالعودة إلى التاريخ، حيث عشرات من الأطباء والمترجمين ومسؤولي الشؤون المالية الذين كانوا من أبناء الأقليات يعملون في بلاط الخلفاء والسلاطين المسلمين.

  بل إن ما يحتاج إعادة النظر فعلاً، هو تاريخ مفهوم الأقليات نفسه، لقد ظل الكثير من سكان الدول العربية على عقيدتهم الأصلية لقرون بعد الفتح العربي، وكان الحكم في كثير من بلدان المنطقة عربياً، وتولى مواقع الإدارة خبراء من سكان تلك البلدان الذين لم يكونوا اعتنقوا الإسلام بعد، أو تمكنت منهم العربية، حتى ذلك الحين، واستمر ذلك حتى بعد أن تعربت تلك البلدان بالكامل، وانتشر الإسلام ليكون دين الأغلبية. أي أن الأقلية هنا ليست وافدة من الخارج، وكانت شريكة أساسية في شؤون البلاد، وفي كثير من الفترات لم ينظر إليها على أنها أقلية، أو يشعر أغلبية السكان بالحساسية تجاهها، ولم يتم التمييز تجاه البشر على أساس العرق، أو الدين، أو اللون، أو اللغة، إلا في فترات التدهور والتراجع، وكان وصول بعض أفراد هذه الأقليات إلى ترؤس الحكومة في العصر الحديث أمراً طبيعياً تماماً.

 أما ما يحتاج إلى القراءة والتحليل والدراسة، فهو تاريخ ومفهوم الأقليات في الغرب. لقد ظلت أوروبا خلال القرون الوسطى، وحتى عصور ما يسمى بالنهضة والتنوير، في بحث محموم عن نقاء ثقافي كامل: ديني وعرقي ولوني، وخاضت في سبيل ذلك الكثير من الحروب التي يمكن وصفها بحروب «التطهر من المختلفين»، وعقدت محاكم تفتيش، وطرد الكثير من السكان الدين لا يؤمنون بعقيدة الأغلبية، ولا تزال هناك العديد من آثار ذلك حتى الآن، تتمثل في حوادث عنصرية ضد الملونين في أمريكا، أو إحراق بغيض للقرآن الكريم في هذا البلد الأوروبي، أو ذاك.

   هنا نحن أمام أسئلة عدة: متى بدأت البلدان الأوروبية بالتعايش مع المختلِف عقائدياً؟ متى قبلت بوفود الآخرين من الخارج إليها، وسمحت لهم بالانخراط في المؤسسات الاجتماعية المختلفة؟ هل تم دمج هذه الأقليات تماماً، أم أن هناك الكثير من المشاكل التي تعترض طريق المواطنة الكامل؟ وهل هذه المشاكل تعود إلى القوانين ورؤية الدولة لهم، أم إلى عدم قدرة الأقليات الوافدة على التكيف مع ثقافة البلد الجديد؟

  في مارس/ آذار من عام 2023 تولى أول مسلم رئاسة حكومة غربية، حدث موزون سيكتب في التاريخ، وسيحلله المؤرخ هناك في المستقبل من زوايا عدة، ولكنه حدث مهم بالنسبة إلينا أيضاً، يرشدنا في العمق إلى روح ثقافتنا التي قدمت درساً ندر أن يتكرر في مفهوم التعايش.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvb3r795

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"