حصص استرخاء

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل هناك أجمل من لمّة الأصدقاء حول المائدة في رمضان؟ جميلةٌ هي، ولعلنا نستعد لها طويلاً وتأخذ من ربات البيوت وقتاً وجهداً لتحضير المائدة بكل ما لذ وطاب، ورغم ذلك تبقى للّمة بعد انتهاء الإفطار طعم أكثر حلاوة؛ حيث يطيب الكلام والضحك واللعب، ولعلها الفترة التي يعود بها الشباب إلى الألعاب غير الإلكترونية، ألعاب الذكاء والفوازير والنرد والسلّم والثعبان.. وهي نفس الفترة التي يعود بها الكبار إلى الكلام المباشر وجهاً لوجه وتبادل الأحاديث في كل شيء، ويستمتع الصغار بالركض والحركة والقفز..
هذه التي يعتبرها البعض «ضوضاء» يحتاجون إلى راحة من بعدها، هي علاج للنفس، تغسلها من هموم الحياة والتعب وكثرة التفكير والضغوط المختلفة، فتسحب الإنسان من كل ما يكبله وتدخله في دائرة الحوارات اللذيذة الخفيفة، تجبره على الضحك ومن القلب لا مجاملة، تجعله سعيداً ولو لساعات قليلة، تعيد الكبار إلى ذكريات الطفولة والصبا، يندمجون مع الصغار والشباب في ألعابهم، ففي المشاركة متعة وراحة للنفس، كذلك توازيها الفرجة وتأثيرها على الإنسان في سرعة استعادته للحيوية النفسية والبهجة..
الزحمة المريحة، الضجة المبهجة، سمها ما شئت فهي حالة نشتاق إليها في زمن التباعد بين البشر بسبب انشغال كل إنسان بالإلكترونيات، وزمن زحمة العمل وهموم الدنيا، وزمن الضغوطات الكثيرة من كافة الاتجاهات.. لاتكاد تعيش أجواؤها العائلات إلا في رمضان، والمؤسف أن هناك من الشباب من يستعجل إنهاء الإفطار كي يخرج من البيت فيلتقي مع أصدقائه بعيداً عن العائلة ومشاغلها، فهو بالكاد يوافق والديه على الصمود حتى ينتهي الجميع من تناول وجبة الإفطار فيخرج مسرعاً إلى الشارع. 
حين نقول لمّة العائلة فهي لا تعني لمّة المائدة وتناول الطعام معاً بقدر ما تعني اللقاء الجميل والممتع بعيداً عن المائدة، التسامر وتبادل الأحاديث والآراء، استعادة الألعاب الفكرية واليدوية التي تخلق أجواء تنافس وتحديات وضحك وتعليقات.. وتفتح بلا شك أبواب الذكريات. يمكن القول إنها حصص استرخاء نفسي، وحصص يتعلم منها الأطفال الكثير فتتشكل معها الذكريات التي سيحتاجون إليها لاحقاً في المستقبل، والأهم أنها تبعدهم عن الألعاب الإلكترونية الفردية التي تفرض عليهم العزلة والوحدة، فتأخذهم إلى الألعاب الجماعية، حيث التنافس والتعاون، تدربهم على المواجهة وجهاً لوجه والتحدث مباشرة مع الآخرين وتحريض العقل والبدن على العمل في نفس الوقت، وكيف تصدح الضحكات وتفرض البهجة على الجميع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/t8jvu6k7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"