عادي
(جبر الخواطر)

فاطمة الزهراء.. بضعة من رسول الله

00:29 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبضعة منه، أمها خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.

يقول عدنان الطرشه، في كتاب «ماذا يحب النبي»، وُلدت فاطمة رضي الله عنها في الإسلام، وقيل قبل البعثة بخمس سنين، وكان لها أسماء متعددة منها فاطمة، المباركة، الزكية، الراضية، الزهراء، الطاهرة، وكان يطلق عليها أم النبي أو أم أبيها.

وقد كان لفاطمة الزهراء قوة نفس منذ صغرها، وكانت تدافع عن أبيها وتدفع عنه الأذى، وذات يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، ورؤوس قريش في مجالسهم، فعمدوا إلى وضع سلى جزور- وهو الجلدة التي يكون فيها ولد الناقة كالمشيمة للطفل – على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك. فانطلق أحدهم إلى ابنته فاطمة وأخبرها، فجاءت مسرعة وألقت السلى عن ظهر أبيها، صلى الله عليه وسلم، وأقبلت عليهم تسبهم وتشتمهم، وهم صناديد قريش ورؤوسها، فلم يردوا عليها.

تزوج علي بن أبي طالب فاطمة رضي الله عنهما، بعد موقعة بدر في السنة الثانية، فولدت له حسناً وحسيناً ومحسناً «مات صغيراً»، وأم كلثوم التي تزوجها عمر رضي الله عنه، وزينب الكبرى.. وقد خطب علي بنت أبي جهل، على فاطمة، فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: «إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكحاً ابنة أبي جهل» فقام النبي صلى الله عليه وسلم وتشهد وقال:«أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني، وإنما أكره أن يفتنوها، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبداً» وفى رواية ثانية: «إني لست أحرّم حلالاً ولا أحلّ حراماً، ولكن والله لا يجمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكان واحد أبداً»، فترك علي الخطبة ولم يتزوج غيرها إلا بعد وفاتها رضي الله عنها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني»، وقال صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة، غير نسبي وسببي وصهري». فما أعظم من ذلك في جبر خاطر أغلى الناس إلى قلبه صلى الله عليه وسلم.

ولأجل أن فاطمة من أحب الناس إلى أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد طلب منها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن تتوسط لهن لدى أبيها في موضوع عائشة، تقول عائشة: «ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله تقول: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلمته فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت بلى، قال: فأحبي هذه».

يضيف عدنان الطرشه، في كتاب «ماذا يحب النبي»، وكانت فاطمة رضي الله عنها تشبه أباها صلى الله عليه وسلم في عدة أمور، فكانت تشبهه في سمته، وهديه، وحديثه، ومشيته، وقيامه، وقعوده، تقول عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً. والهدي والدل، برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاطمة»، وكان صلى الله عليه وسلم يحترمها كثيراً ويقدرها، حتى إنها كانت إذا دخلت عليه قام إليها، فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها. وقد نزل ملك فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل الليلة، استأذن ربه أن يسلم عليّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة».

وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرض الذي توفي فيه، دخلت عليه فاطمة فخصها صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالإسرار، تقول عائشة: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مرحباً بابنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فبكت فاطمة، ثم إنه سارّها فضحكت أيضاً، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت: أخصكّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين، وسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قُبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين، (ولا أُراني إلا قد حضر أجلي وإنك أول أهلي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك). فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ فضحكت لذلك).

توفيت فاطمة رضي الله عنها سنة إحدى عشرة، بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقيل أقل وقيل أكثر من ذلك، ولها أربع وعشرون سنة، وقيل غير ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vf86svr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"