عادي

الثلث المتناظر.. سحر البصر

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

حين يذكر الخطاط العراقي عباس البغدادي، فنحن أمام أستاذ في الخط قل نظيره في العالم، وهذا رأي كثير من خبراء الخط في البغدادي التي تشير سيرته الذاتية إلى خبرة وتجربة كبيرة بحيث وصفه الكثيرون «بأنه من أكبر الخطاطين في العالم» وهو صاحب مدرسة متميزة في الخط، خاصة الثلث، ولدينا واحدة من إبداعاته بالثلث المتناظر المعكوس واستخدم فيها الآية القرآنية «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا».

1
عباس البغدادي

في اللوحة التي يقف المشاهد أمامها متعجباً من الهندسة في تشكيل الحروف، إلى الدرجة التي يحتاج فيها إلى تأمل كبير، وهو يتابع حروفها المصفوفة بانتظام ورشاقة فنية لافتة، فالحروف في اللوحة عبارة عن مصفوفة بصرية ساحرة، خاصة أنها مكتوبة بالثلث المتناظر، ومن المؤكد أن دهشة العين وهي تتابع الحروف تصاحبها متعة خاصة، لجهة هذا التحدي الإبداعي في هندسة شكل الحرف على جسد اللوحة التي تبدو كشجرة وارفة الألوان والأغصان وفيها كل ما يبحث عنه المشاهد من إبداعات الخط الذي يمازج بين مدرستين كبيرتين هما: المدرسة التركية، والمدرسة البغدادية، في محافظة كل منهما على تقاليد كتابة الثلث من جهة، وأيضاً في تلك المصفوفات الفنية لهندسة الحرف، سواء في استطالاته وانحناءاته ومرونة بعض حروفه، أو في براعة تصميم تلك الحروف في جسد وبنية اللوحة.

مسحة إبداعية

يلمس مشاهد هذه اللوحة الساحرة، فضلاً عن شكلها الجمالي، مسحة إبداعية وروحية بين الحرف والحرف، لا يكاد يكتشفها سوى المتمرسين في كتابة الخط وبخاصة الثلث، وكأننا أمام منظر تتوحد فيه الحروف، لتخلق في نهاية المطاف حدثاً أو رؤية أو تجسد صورة، وذلك لهدف أو لغاية بعيدة وهي تجانس المفردات، وهذه المفردات تتشكل من حروف الآية الكريمة تمهيداً لتوحد هذه الكلمات والعبارات التي تنسجم مع فطرة المرء، وكأننا أمام شكل يتلألأ على صفحة الكون من الأقمار والنجوم التي تسبح بملكوت الخالق عز وجل.

نحن أمام لوحة تؤلف حروفها وتراكيبها المدروسة بعناية بنية أو هيكلاً، يحفز وجدان وعقل المتلقي معاً على تخيل تلك الرؤية أو الفكرة المشكلة من «مسبحة» الحروف، وتلألئها الفني البديع.

في لوحة عباس البغدادي، نحن أمام شخصية للحرف بعيداً عن تكوينه الهندسي، وهي خاصية يمتاز بها خط الثلث دون غيره من الخطوط، ونحن أمام تركيب منسجم من الأسفل إلى الأعلى، وهناك مراعاة لحرفة تكوين الحرف إذا كان يستدعي التقوس أو الانحناء أو الاستدارة، وهناك حرفة في خط الواوات والقافات وما شابهها، ناهيك عن مهارة تحديد أذناب الحروف، وسن القلم.

توازن

في هذه اللوحة، تبرز عند الخطاط عباس البغدادي لمسته القوية في بناء علاقة متوازنة تم تشكيلها من قوة الحرف في يمين اللوحة وصورته المماثلة أو «المتناظرة» في يسار اللوحة، وفي اللوحة كذلك، نتتبع مثل هذا التوازن ليشكل من مجموع الحروف كتلة واحدة متناغمة تشرق من موسيقى الحرف وشكله الهندسي وقدرته على التعاكس والتناظر والتماثل والتطابق في حلة من ترابط الشكل والمحتوى معاً.

الخطاط عباس البغدادي وهو يهندس «الثلث المتناظر» باللون الأصفر على خلفية زرقاء، يعير اللون اهتماماً مدروساً، فاللون الأصفر ارتبط بلون الشمس، واقترن بالتعبير عن «النور»، وما يرمز له من حكمة وإشراق وهداية، أما اللون الأزرق فقد كانت له رموز ومعتقدات خاصة في كافة الأديان والثقافات غير أنه في الثقافة العربية يظل رمزاً للصفاء والسماء الصافية كما أنه لون نادر في عالم الحيوان والنبات.

يكتب عباس البغدادي خطوطه كما وصفه النقاد «برؤية فنية إخراجية مستوحاة من أشكال هندسية ومجسمات بيئية كما أنه غالباً مايستحضر روح التراث في الرؤية الإخراجية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xb3xdwv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"