عادي

«عماد».. ومساعدة الآخرين

23:11 مساء
قراءة 4 دقائق

«عماد» في الصف الخامس الابتدائي، خرج من مدرسته وسلم على زميله في الفصل «يسري»، بعد انتهاء اليوم الدراسي، ورأى عجوزاً تحاول عبور الشارع ولكنها لا تعرف، فطلبت منه أن يساعدها، فتأفف من هذا الطلب، ولكنه ساعدها وعبر بها الشارع، واستكمل طريقه إلى المنزل، ولما دخل الشارع الذي يسكن فيه، التقى به عم «عرفان» جاره في العمارة، وهو يحمل حقائب كثيرة، فطلب منه مساعدته في حمل إحدى الحقائب عنه، فالحقائب كثيرة، وهو صائم ومتعب، نظر «عماد» إليه وقال له، لن أستطيع مساعدتك يا عم «عرفان» فأنا صائم أيضاً وبالكاد أسير نحو المنزل لأرتمي على سريري وتركه وانصرف، وهو يقول: مالي أنا بهذا التعب، إذا كان لا يقدر على حمل كل هذه الحقائب، فلماذا يشتريها.

ما أن عاد إلى منزله حتى نادى على أمه ليطمئنها أنه وصل، فقالت له: ماذا كان يومك في المدرسة، حدثني عما جرى فيه، فقال لها: حصلت على الدرجة النهائية في اختبار اللغة العربية، والمدرس صفق لي وجميع زملائي، ثم حصة التاريخ، ثم، ثم، وفي حصة الألعاب، قام المدرس بتقسيمنا لفريقين لنلعب كرة القدم، وأحرزت هدفين في الفريق الآخر. فقالت له أمه: رائع جداً يا عماد، أهذا كل ما حدث، قال نعم يا أمي، ثم انصرف، ثم توقف وعاد إليها وقال: أمي، لقد تذكرت شيئاً، قالت له وما هو؟ فحكى لها ما حدث مع السيدة العجوز، وكذلك ما طلبه منه عم «عرفان».

عاتبته أمه على ما بدر منه مع عم «عرفان» والسيدة العجوز قائلة: ما كان لك أن تفعل ذلك يا بني، فالإنسان يجب أن يكون في عون أخيه الإنسان إذا استطاع أن يساعده. فقاطعها: نعم يا أمي.. ولكني لم أستطع، فقد كنت متعباً جداً من الصيام، ولا أستطيع حمل شيء. فقالت له: ما شعورك لو كان المدرس دعاكم للعب ماتش كرة قدم آخر؟ فرد: بالتأكيد سأكون سعيداً جداً يا أمي، فلا تتخيلي كم غضبت أن الوقت قد مر سريعاً. هنا ابتسمت الأم وقالت: وتقول إنك متعب ولا تستطيع مساعدة عم «عرفان»، كيف إذن كنت ستستطيع تحمل لعب ماتش آخر، حتى أنك لم تحاول حمل الحقيبة، فقد تكون خفيفة وليست ثقيلة، كما أنك كنت منزعجاً لما طلبت منك السيدة العجوز أن تعبر بها الشارع. فقال: نعم يا أمي ولكني ساعدتها. فقالت: الأم: ولكنك كنت غير سعيد بذلك، وقد ينقص ذلك من أجرك عند الله. لم يقتنع «عماد» بكلام أمه وقال لها اسمحي لي أن أذهب لتغيير ملابسي وأنام قليلاً لأني متعب جداً.

ذهب «عماد» إلى غرفته وهو يتمتم بكلمات غير مسموعة، أنه غير مضطر لمساعدة الآخرين، وأنه يفعل ذلك بمزاجه، ثم ذهب إلى السرير وخلد إلى النوم، وما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه يسير في شارع طويل وحده، فأخذ ينظر يميناً ويساراً ويشاهد الطيور وهي تتسابق من شجرة إلى شجرة، وبعد خطوات زلت قدمه في حفرة عميقة فتعلقت ملابسه بقطعة من الحديد أوقفته عن السقوط فيها، أخذ يصرخ ويطلب من الناس مساعدته، ولكن لم يأت أحد، وفي كل لحظة تمر كانت الملابس تتمزق شيئاً فشيئاً، وكلما حدث ذلك أدرك أنه في طريقه إلى الهلاك، وفجأة ظهرت له السيدة العجوز، وعندما رآها قال لا: أنقذيني، فلقد وقعت في الحفرة ولا أستطيع الخروج منها، أنقذيني أرجوك.

قالت العجوز: انتظر يا بني، فأنا لا يمكنني إخراجك من الحفرة، فقد نسقط معاً فيها، انطلقت السيدة العجوز في الصياح يميناً ويساراً تنادي على أحد ليساعده ويخرجه من الحفرة، ثم ظهر رجل فنادته كي يساعده، فاقترب الرجل من الحفرة ومد يده إليه وجذبه بقوة وأخرجه، وعندما وقف «عماد» على قدميه، نظر إلى الرجل ليشكره، وفجأة.. تسمرت قدماه في مكانهما، ولم يستطع أن ينطق بكلمة، ثم نظر إلى السيدة العجوز، وعاد مرة أخرى لينظر إلى الرجل في دهشة، ثم قال في نفسه: إنه عم «عرفان».. نعم إنه جاري الذي رفضت مساعدته، يأتيني اليوم ليساعدني بل وينقذني من الوقوع في الحفرة. ارتمى «عماد» في حضنه وظل يبكي وطلب منه أن يسامحه وظل يردد: سامحني يا عم «عرفان».. سامحني يا عم «عرفان».

وإذا به يستيقظ ليجد أمه بجانبه توقظه وهو يردد هذه الكلمات، ولما سألته عما به، فحكى لها ما رآه في الحلم. ابتسمت الأم وقالت له: مساعدة الآخرين أمر مهم حثنا الإسلام عليه، وشدد عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: حيث يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلمٍ كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة).

اقتنع «عماد» أخيراً بكلام أمه، وعرف أن مساعدة الآخرين واجب على كل مسلم تجاه أخيه المسلم، وقال لها: لم أكن أعلم كل ذلك يا أمي.. ولكني سأحاول فيما بعد مساعدة الآخرين، لقد فهمت أنني بذلك أساعد نفسي يوم القيامة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfzm3vw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"