عادي

حاسبوا أنفسكم

21:42 مساء
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر
يُفهم من قوله تعالي: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها) [الأنعام:104] كما قال الإمام القرطبي «فمن استدل وتعرَّف نفع نفسه، ومن عمي فلم يستدل فصار بمنزلة الأعمى فعلى نفسه يعود ضرر عماه».

وعندما يتحقق الإنسان أن عمره الافتراضي قد أوشك على الانتهاء‏ تثور في ذهنه بعض التساؤلات؛ فإن كان من أهل الآخرة‏؛ أي ممن يرجون لقاء الله‏ فلا بد أنه سيسأل نفسه‏:‏ تُرى هل فعلت كل ما كان يمكنني فعله لكي تربو حسناتي على سيئاتي؟ هل اتقيتُ الله ما استطعت؟ أم أنني تجاوزت حدودي في بعض أمري، واتبعت ما أملاه علي الشيطان؟ هل اتقيت الله في خلقه؟ هل ساعدت من لجأ إلي طلباً للمساعدة وقد كان ذلك بإمكاني؟ هل رحمت الضعيف وأعنته على أمره؟ هل أمهلت معسراً أقرضته بعض المال،‏ أو تجاوزت عن الدين لما رأيت من عسره؟ هل أحسنت معاملة زوجتي وكنت لها نعم الرفيق،‏ وقدرت خدماتها لي ورعايتها لأولادي؟ هل ربيت أبنائي تربية زرعت فيهم الأخلاق الفاضلة؟ أم أنني كنت قدوة سيئة لهم؟

الله مدار تفكير أهل الآخرة، والناس مدار تفكير أهل الدنيا‏.‏ وكل فريق منهم يُجري ما يشبه الحساب الختامي لحياته‏؛ فإما أن يرضيه هذا الحساب الختامي وإما أن يسخطه على نفسه‏،؛ لأنه لم يفعل ما كان ممكناً أن يفعله‏.‏ يشعر الواحد من هؤلاء أو أولئك بأن هناك فرصاً أهدرها ومجالات غفل عنها‏.‏

أياً ما كانت الوجهة التي اختارها الإنسان لنفسه (لكلّ وجهة هو موليها)[البقرة‏:148]. ماذا لو تدرّب المرء على هذا الحساب الختامي مبكراً قدر الإمكان، ولم ينتظر حتى دنو الأجل‏ ‏ليرى الإيجابيات والسلبيات في حياته وسلوكياته، فربما أفاد هذا الحساب الختامي المبكر في تصحيح أشياء تتطلب التصحيح‏، أو في إضافات هنا وهناك‏،‏ وكذلك ربما يؤدي إلى تغيير النظرة الكلية لمفاهيم الإنسان وتصوّراته‏،‏ وغاياته ووسائله‏.‏

وعلى المؤمن أن يحاسب نفسه؛ فالطاعة والفروض رأس المال، والمعاصي هي الخسائر، والنوافل هي الأرباح، وليعلم أنّ كل نَفَسٍ من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها كنزاً من كنوز الآخرة، فإذا أصبح العبد وفرغ من صلاة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة فيقول لنفسه: ما لي بضاعة إلا العمر، ولو توفّاني الله لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوماً حتى أعمل صالحاً. ومن ثَم ينوي فعل الخيرات ليكون من الرابحين.

هذا الربيع بن خثيم كان له تحت سريره حفرة، كلما رأى من نفسه إقبالاً على الدنيا نزل فيها وكأنه في قبره، ويصيح ويبكي وكأنه في عداد الموتى، ويقول: «رب أرجعون، رب أرجعون». ثم يصعد من الحفرة ويقول: يا نفس، ها أنت في الدنيا فاعملي صالحاً.

ويقول إبراهيم التيمي: مثّلت لنفسي كأني في الجنة؛ آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأطوف في وديانها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلت لنفسي وكأني في النار؛ أكل من زقّومها، وأشرب من حميمها، وأصيح بين أهلها، ثم قلت: يا نفس، أي دار تريدين؟ فقالت: أعود إلى الدنيا فأعمل صالحاً كي أنال الجنة. فقلت: يا نفس، ها أنت في الدنيا فاعملي صالحاً.

يقول تعالي: (يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين (57) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس:57-58].

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5emzzadv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"