اللغة سبب الحروب

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

كلنا نعلم أن اللغة هي أداة تواصل واتصال بين البشر، وهي وعاء المعرفة الشاملة الدينية والدنيوية. وكلّنا نعلم أن اللغة تحمل في ثناياها نغمات يتم توظيفها لإرسال الإيحاءات والرسائل. فالكلمة الواحدة أو العبارة الواحدة يمكن أن تحمل معنيين متناقضين، كالمديح والوعيد، والخير والشر. وثقافتنا العربية ثرية بوصف اللسان، حلوه ومرّه، صمته وثرثرته، وأثر ذلك على المستمع والمتلقّي. والحكم والأمثال العربية مليئة بعبارات تحضّ على حفظ اللسان. وما اللسان سوى اللغة، إما أن تتحدث خبط عشواء وتحدث فوضى في المعاني، وإما أن تختار المفردة المناسبة للمعنى المناسب. وإما أن تتحدث ويُساء فهمك، أو تتحدث فيُجمع الناس على قولك.

 تقوم المناهج التعليمية على تدريس اللغة، صرفها ونحوها وبيانها، لكنها تهمل أو تتغاضى عن علم التخاطب أو المخاطبة، ما يؤثر على مسار الحوار، إذ كثيراً ما شاهدنا حوارات تلفزيونية أو إذاعية تتحول إلى حلبة ملاكمة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أي يصبح الهدف إيقاع الأذى الجسدي بالآخر، كل ذلك نتيجة سوء استخدام اللغة والتخاطب. ولو أحسن الناس أساليب التخاطب لما وجدنا خلافاً بين شخصين، أو عقيدتين، أو ديانتين، أو مذهبين، أو فلسفتين، ولساد السلام على وجه البسيطة، ووفّرت البشرية ملايين الأرواح. وهنا أود أن أطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا يتحول الحوار بين شخصين أو وفدين إلى حوار حاد ومتشنّج؟ أعتقد أن ذلك يحدث ليس بسبب الخلاف في المنطلقات والأفكار، وإنما بسبب الاختلاف في أساليب المخاطبة واستخدام مفردات مستفزّة تصادر الآخر، فيحدث الهياج وتتعاظم العصبية.

 أكاد أجزم أن سبب الحروب الصغرى والكبرى، والحروب الأهلية، والنزاعات المجتمعية والعرقية يعود إلى اللغة الحاملة للمصادرة والعدوانية والعدائية والدونية. وهذا يعود أولاً وأخيراً إلى المدرسة والبيت، وإلى تعزيز التطرف العقائدي والديني والعشائري والقبلي وغير ذلك، إلى عدم الاعتراف بكينونة الآخر واستقلاليته وحريته في المعتقد والانتماء، وأعني خياراته الطبيعية في اختيار أسلوب الحياة التي يريد، بحيث لا تؤذي أساليب حياة الآخرين ولا تشكل تحدياً لهم.

 من الطبيعي أن يختلف البشر، بل إنهم خُلقوا مختلفين، ولو شاء ربك لجعل لهم لساناً واحداً وديناً واحداً وطباعاً واحدة. إدارة الاختلاف هي التحدّي الأكبر للبشرية، الذي يستند أولاً وأخيراً إلى الاحترام، الذي يسبقه القبول. ونعود فنذكّر بأن اللغة هي الأداة الرئيسية لإدارة الاختلاف، إذ هنالك فرق بين أن تقول لأحد تختلف معه: أتفهّم وجهة نظرك، ولكن اسمح لي أن أبدي وجهة نظري، وأن تقول له: إن وجهة نظرك خاطئة وسلبية وقبيحة وأرفضها رفضاً قاطعاً. وهنالك فرق بين أن تقول لسياسي: أنت خائن وتتعامل مع دول أجنبية، وأن تقول له: أعلم لماذا تعتنق هذه المبادئ وهذا الموقف ولكن لدي موقف مغاير. وعلى الصعيد الشخصي، هنالك فرق بين أن تقول لشخص: أنت تتفوه بالترهات، وأن تقول له: أخشى أنك تقول كلاماً يحتاج إلى أسانيد، وهكذا.

 آن الآوان لتضمين مناهجنا التعليمية مادة ترتقي باللغة الحياتية، وتتمحور حول أساليب المخاطبة، وتكون مادة رئيسية في الرسوب والنجاح، هكذا نبني جيلاً عاقلاً وحضارياً ومستعداً للتعامل مع الثقافات الأخرى، كما أننا نبني جيلاً دبلوماسياً يعرف كيف يسير بين حبات المطر ولا يتبلّل، ويكون مستعداً للعمل السياسي باحتراف.

 إن هذه اللغة التي أعنيها هي الأداة الضرورية كي تعيش مجتمعاتنا بسلام، خاصة أنها مكونة من ديانات وأعراق ومذاهب مختلفة. ولو بقيت لغة التخاطب على حالها سيبقى التوتر سيّد الموقف، وستبقى المجتمعات العربية تعيش في قلاقل واضطرابات، ولن يكون أمامها سوى التقسيم، الذي لن يكون حلاً مثالياً إذا لم تتثقّف لغة الأجيال الصاعدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3s6pv2vx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"