هل ثمة رابحون في سوريا؟

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

في الشهر المقبل، تدخل المسألة السورية عامها العاشر، بكل ما تتضمنه من حالة عدم اليقين، والتشكيك بالآمال التي كانت معقودة على إيجاد حلول سياسية في أكثر من محطة من محطاتها الكثيرة، فقد عوّل سوريون كثر على جولات جنيف التفاوضية، من أجل إنتاج حلٍّ عقلانيٍّ بين السلطة والمعارضة، مستندٍ إلى دعم الأمم المتحدة، التي مهّدت للتفاوض في بيانها الشهير «جنيف1» الذي أصدرته في 30 يونيو/حزيران 2012، لكن جولات التفاوض انتهت من دون أي نتيجة تذكر، وأكّدت غيابَ المستوى المطلوب من الحسابات العقلانية لإنجاح تفاوض وطني، كان يمكن له أن يختصر الكثير من الآلام والمآسي على السوريين.
منذ عامها الأول، تحوّلت المسألة السورية إلى مسألة دولية، ودخلت خانة التدويل الذي لا عودة منه، حيث أصبح اللاعبون الإقليميون والدوليون جزءاً من هذه المسألة، وتحوّلوا مع الوقت إلى أصحاب القرار فيها، بينما تراجعت أهمية السوريين، بغض النظر عن آرائهم ومواقعهم، ولم يعد بإمكانهم تحديد المسارات العسكرية والسياسية للصراع، وأصبح من المألوف أن يتمّ استبعادهم من الاجتماعات الخاصّة بالشأن السوري، كما في الاجتماعات التي عقدتها الدول الثلاث الضامنة: روسيا وتركيا وإيران.
تدريجياً، دخلت مؤشرات الحياة السورية في دورة الحرب، فقد تحوّل الانقسام السياسي إلى انقسام مجتمعي، في بلد متعدد دينياً ومذهبياً وإثنياً؛ حيث أصبح صراع الهويّات وجهاً بارزاً وحاسماً في الصراع، وكما هو معروف في كل التجارب التي احتدمت فيها صراعات الهوية، فإن معالجة الانقسامات المجتمعية تصبح مسألة غاية في التعقيد، ويمكن أن تستمر لعقود بعد الوصول إلى حلّ سياسي؛ إذ لا يمكن ردم الهوّة بسهولة بين المكونات المجتمعية، التي بات كلّ منها يرى في الآخر عدواً، أسهم في مأساته وخسائره الإنسانية والمادية.
وبغض النظر عن طبيعة العقد الاجتماعي الذي أقامته الجمهورية الثانية في سوريا بين عامي 1963 و2010، فإن هذا العقد الاجتماعي انتهى إلى غير رجعة، ولن يكون بالإمكان بناء عقد اجتماعي جديد من دون أن تتوفر الشروط الموضوعية الدستورية والقانونية التي تسمح للسوريين بتجاوز مواقفهم الحالية، كما أنه من غير تحقّق حدّ معقول من الرضا السياسي والاجتماعي سيكون الحديث عن عقد اجتماعي جديد مجرد (يوتوبيا)، ليس لها أي قيمة في الواقع العملي، فلم يعد من الممكن واقعياً إعادة بناء الاجتماع السوري انطلاقاً من قواعد الضبط التي كانت قائمة في الجمهورية الثانية؛ إذ لا يمتلك أي طرف محلي اليوم حالة إجماع عام، تخوّله منفرداً قيادة مرحلة جديدة، وصياغة عقدها الاجتماعي وفق رؤيته الخاصة. الاقتصاد السوري هو الآخر دخل في دورة إنتاج مرتبطة بالحرب، وخرجت مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، من دورها التاريخي، ولم تفقد فقط مصانعها وآلاتها، بل أيضاً خبراتها وكفاءاتها ورؤوس أموالها، بعدما دمّر الإرهابيون مصانعها أو نقلوها إلى تركيا، وبدأت بالاستقرار والتكيّف مع شروط إنتاج جديدة وأسواق جديدة.
وكما فقدت سوريا، نتيجةً للصراع العسكري، قوامَها الديموغرافي، واستقرارها السكاني، فقدت مع هذين الأمرين ملامح تعدديتها، وهذا يعني أننا أمام خريطة مشوّهة، وأجيال جديدة عاشت مأساة النزوح الداخلي، ويطرح هذا الأمر مسؤوليات عديدة على مستوى إعادة هندسة المكان، وتحقيق ما بات يعرف ب «العدالة المكانية»، وما تتطلّبه من قوانين وإمكانات مالية هائلة، قد لا تتوفر بعد انتهاء الحرب. على مستوى إعادة الإعمار، وهي العملية التي يفترض أن تكون الرافعة الاجتماعية والاقتصادية للدول في أزمنة ما بعد الحروب، فإنها أصبحت اليوم ساحة صراع للدول المنخرطة في الميدان السوري، حيث تبحث كل دولة عن حصّتها من هذه العملية، كما أن التقديرات المتعددة لتكلفة إعادة الإعمار في سوريا، وعلى الرغم من تبايناتها، تشير إلى أرقام هائلة؛ إذ تصل بعض التقديرات إلى حوالي 400 مليار دولار، ومن غير المتوقع في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة تأمين مبالغ مالية معتبرة لإعادة الإعمار.
بعد حوالي عقد من الصراع السوري، لا يمكن القول بوجود طرف رابح في سوريا، بل يمكن القول إن الهزيمة طالت الجميع بشكلٍ أو بآخر، وينبغي أن يكون هذا الاعتراف هو المقدمة الأولى والكبرى للتفكير بالمستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"