المرتزقة.. وعروش الجيوش

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

بقطع النظر عن خلفيات ما حدث في روسيا في الأيام الماضية، من تمرّد، أولعبة استخباراتية محكمة التعقيد، فإنّ الظاهر أن الشركات الأمنية، باتت تشكل خطراً على الجيوش النظامية، وعلى استقرار الدول.

 تجارب عدة يمكن الحديث عنها، وباتت تستقوي على الدول، وعلى الجيوش الرسمية. ففي حربَي العراق وأفغانستان، كانت شركة «بلاك ووتر» رأس الحربة في المواجهة العسكرية، كما أن ميليشيات «فاغنر» الروسية باتت الشركة الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام الدولية، فضلاً ًعن مؤسسات أخرى بريطانية، وحتى عربيّة.

 تعتبر شركة «بلاك ووتر» من أهم الشركات العالمية في مجال تقديم خدمات أمنية وعسكرية. تأسست عام 1997 على يد الضابط السابق في القوات البحرية الخاصة «المارينز»، إريك برنس.

 وغيّرت «بلاك ووتر» اسمها مرات عدة، بسبب الجرائم التي ارتكبتها، خاصة في العراق. وبحسب الموقع الإلكتروني للشركة، فهي تمتلك أكبر موقع خاص للتدريب والرماية في الولايات المتحدة، والذي يمتد فوق مساحة 28 كيلومتراً مربعاً، ويقع في ولاية كارولاينا الشمالية. وتملك الشركة قاعدة بيانات لنحو 21 ألف جندي سابق من القوات الخاصة، تستطيع الاعتماد على خدماتهم، ولديها تجهيزات عسكرية متطورة، لا تقل عمّا تمتلكه الجيوش النظامية، بحسب بيانات للشركة موجودة على موقعها الإلكتروني.

 وتعد شركة (جي فور إس (G4S) البريطانية من أكبر الشركات الأمنية في العالم، وتنتشر في معظم دوله. وتصف نفسها بأنها «المجموعة العالمية الرائدة في مجال الأمن»، وهي متخصصة بإدارة القطاعات ذات المخاطر العالية. وأنشئت عام 2004، ويقع مقرّها الرئيسي في لندن. وتوظف G4S أكثر من 620 ألف شخص، من حول العالم. وصفتها صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير عن الشركات الأمنية العالمية، بأنها «أكبر جيش خاص»، وتمّ تصنيفها بأنها أكبر شركة أمنية في العالم، من حيث العوائد والعمليات التي تشمل 125 دولة، وقدّر دخلها السنوي في عام 2014 بنحو ستة مليارات و848 مليون جنيه استرليني، أي ما يقارب ال9.6 مليار دولار.

 وتمثل «فاغنر» الروسية إحدى أشهر الشركات العسكرية التي تنشط في المنطقة العربية، بعد أفول نجم «بلاك ووتر» الأمريكية. وبدأ نشاط «فاغنر» في الوطن العربي انطلاقاً من سوريا منذ 2014، حيث تشرف على شركتين أمنيتين ،كما تضم «فاغنر» قائمة طويلة من الجنسيات، بدءاً من الروسية والصربية والأوكرانية والمولدافية والأرمنية، وحتى الكازاخية. وهي تنتشر الآن في أغلب دول الساحل والصحراء الإفريقية، وجاء تمرّدها الأخير لافتاً للانتباه.

  ويبدو واضحاً أن جيوش المرتزقة باتت تهدد عروش الجيوش النظامية لما تمتلكه من خبرات قتالية، ومن تجهيزات عسكرية استطاعت الحصول عليها من الدول التي تكلفها بمهمات أمنية، أو من الثكنات العسكرية للجيوش المنهارة، فضلاً عن عدم خضوعها لقوانين الحرب والسلم.ولعلنا نلحظ تعاظم أدوار هذه «الجيوش الموازية»، وقدرتها على فرض نفسها قوة بديلة للجيوش الرسمية، ويمكن أن تقود إلى حرب أهلية. ولدينا أكثر من مثال، ففي العراق تم تشكيل جهة عسكرية وأمنية موازية تحت مسمى «الحشد الشعبي»، وباتت قوة عسكرية تتفوق على الجيش الرسمي العراقي. وفي السودان استطاعت قوات «الدعم السريع» وهي ميليشيات كوّنها الرئيس السابق عمر البشير، خلال حرب إقليم دارفور، لتصبح قوة منافسة تخوض صراعاً على السلطة ضد الجيش السوداني، منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي، وتهدد بحرب أهلية طاحنة. 

 ولعل أخطر ما وقع هو التمرد الذي قاده مؤسس مجموعة «فاغنر» الروسية، والذي بلغ حدّ تهديده بالوصول إلى العاصمة موسكو. ونرى خطورة ما وقع في تصريحات وزير الخارجية الروسي الذي قال إن «العديد من الزملاء الأجانب أعلنوا عبر الهاتف تضامنهم، وثقتهم بأن موسكو لن تسمح بمحاولات تقويض وحدة الدولة». ومثل هذا التصريح «تقويض وحدة الدولة» يشي بأن خطراً محدقاً كان يوشك أن يحدث لولا وساطة الرئيس البيلاروسي لوكاشنيكو.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/79zm2c9h

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"