عادي
الكتب الأكثر تأثيراً.. نصوص ضد النسيان

مؤلفات راسخة في الذاكرة

23:02 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

تبقى الكتب الأكثر تأثيراً حاضرة على الدوام في الذاكرة، كتب وهبتنا المعرفة والمتعة، نعود إليها بين فترة وأخرى، وفي كل مرة نكتشف عوالم جديدة وحكمة كامنة وأشياء مخفية بين السطور لم ننتبه إليه عند قراءتنا لها للمرة الأولى، وهي ميزة لا تتحقق لكل النصوص، هي كتب تصحبنا في مختلف مراحل حياتنا، تدهشنا في الطفولة وتحاورنا في المراهقة والشباب ولكنها في كل أحوالنا تمنحنا بعض السكينة وكثيراً من التأمل والتفكر. البعض يطلق عليها «كلاسيكيات»، والكثيرون يصفونها ب«الخالدة»، أثّرت بقوة في ملايين البشر، وضمّنتها الكثير من البلدان ضمن مناهج التعليم في المدارس والجامعات، وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» جولة تذكرنا بأبرز تلك النصوص وأهم من كتبوا عنها.

الصورة
1

هنالك كتب بعينها ظلّت راسخة في أذهان البشر حول العالم، وبصورة خاصة في مجال الأدب، ويبدو التنقل بين الكتب واستخراج زبدتها، يشبه كثيراً تجول النحلة في بستان من أجل البحث عن الرحيق، هو تجول في عالم ساحر يحمل الدهشة والمتعة والمعرفة، وهناك العديد من المؤلفين الذين كتبوا عن الكتب نفسها، وتأثيرها في حياتهم، وفي المجتمع من حولهم بل والعالم أجمع، ولعل تلك الكتب كانت بمثابة دليل للقراءة، للبحث عن أكثر الكتب متعة وجمالاً خاصة في مجال الأدب والكتابة الإبداعية، والملاحظة الجديرة بالذكر أن هؤلاء المؤلفين قد ركزوا على لحظات مهمة في حياة الأدباء والكتب نفسها، وتفاصيل يصعب التقاطها إلا لمؤلف هو في الأصل قارئ جيد.

الأديب والكاتب الأمريكي هنري ميللر «1891- 1980»، يعد واحداً من أهم المثقفين الذين تناولوا عدداً من الكتب المهمة والمؤثرة، تلك التي يطلق عليها ميللر صفة الكتب «الثورية»، ولعل استخدام هذا الوصف لم يأت من فراغ، بل لسبب واضح ومحدد، وهو أن هذه المؤلفات استطاعت أن تغير من حياة البشر حول العالم، ونقلت الإنسانية إلى مرافئ جديدة وآفاق مختلة، يقول ميللر: «لقد كانت هناك في السابق وستبقى دائماً كتبٌ ثورية حقاً؛ أي مُلهَمَة ومُلهِمَة. وهي نادرة، طبعاً، والمحظوظ مَنْ يُصادف حفنة منها في حياته. وزيادة على ذلك، هذا النوع من الكتب لا يغزو الجمهور العام»، فتلك الكتب، كما يرى ميللر، هي غذاء الخاصة، حيث إن النتاج الأدبي الشاسع، في المجالات كلها، يتألف من أفكار مستهلكة.

وربما ذلك ما دفع ميللر إلى تأليف كتابه المهم «الكتب في حياتي»، الذي يستعرض فيه كتباً وأسماء لشخصيات أدبية وثقافية مهمة، لمعت كنجوم ساطعة في سماء الفكر الإنساني، حيث يطوف بنا ميللر في عوالم الكتب التي قرأها، ويعرفنا كيف أن هذه المؤلفات قد شكلت وجوده ونظرته إلى الحياة، مستعرضاً أهم الكتب التي كان لها تأثيرها الكبير في طفولته وحياته، وهو ينطلق في تلك الرحلة البديعة من كونه قارئاً وليس مؤلفاً، يتوقف عند إصدارات ومؤلفات شكلت شخصيته، فهو يرى أن الهدف من الكاتب أن يحكي قصة حياته، عن طريق تلك المؤلفات التي اطلع عليها، مبتعداً قدر الإمكان عن الطابع النقدي، بل يمارس فعل المتعة التي يُشرك فيها القراء، حيث إن الكتب رغم كثرتها على مدى التاريخ، فإن الفريد منها يعد قليلاً ونادراً، والطريف أن ميللر يقدم نصيحة غريبة للقراء، فهو يرى أن على المرء أن يقرأ قليلاً، لا أن يصبح «دودة كتب»، أن يقرأ أقل فأقل، وليس أكثر فأكثر، فهو يشير إلى أنه قد اطلع على مئة كتاب، وهذا الرقم يراه أكثر مما ينبغي أن يقرأه، وهو يشير هنا بطبيعة الحال إلى أهمية الاقبال على المؤلفات المفيدة، فهذه النوعية من الكتب لا تغزو الجمهور العام، ويرى المؤلف أن على المرء الذي يسعى نحو المعرفة والحكمة أن يتوجه صوب المنبع، والكاتب لا يريد بالمنبع هنا الفيلسوف أو الأستاذ أو المعلم، بل الحياة ذاتها، أي تجربتها المباشرة، والأمر نفسه ينطبق على الفن، حيث يمكن الاستغناء عن الأساتذة.

في المستهل يقودنا ميللر إلى المؤلفات التي أضاءت طفولته، فتلك مرحلة شديدة الأهمية، حيث يوضح الفروق بين القراءة في مرحلة الطفولة ومرحلة النضج، قائلاً: «كتب الأطفال لها التأثير الأشد علينا، أعني بها الحكايات الخرافية والأساطير التاريخية والحكايات الرمزية، فعبرها تتغذى ملكة الخيال، ومع تقدمنا في السن، يشح الخيال والمخيلة باطراد، وننجرف بحركة رتيبة باستمرار، يصبح العقل كسولاً لدرجة أنه يتطلب الأمر كتاباً استثنائياً حقاً، لكي ينتزع أحدنا من حالة اللامبالاة أو فتور الشعور»، ويشير ميللر إلى أن هنالك مؤلفات في تلك الفترة لا يمكن تجاوزها مثل: «السندباد البحري»، و«علي بابا والأربعين حرامي»، و«ألف ليلية وليلة»، و«الحكايات الخرافية» للأخوين غريم وحكايات أندرسون، وغيرها من المؤلفات التي شكلت طفولة الكثيرين.

أعمال خالدة

ويعرّج ميللر على المؤلفات التي وصفها بالثورية والتي كان لها تأثيرها القوي عليه، وعلى الكثير من الأدباء والقراء حول العالم، ومن تلك المؤلفات التي أشار إليها رواية «الزواج الأبدي» لدستوفيسكي، والتي تعتبر أعظم مؤلفات الروائي الروسي الكبير، غير أن ميللر شديد الإعجاب بجميع كتب دستوفيسكي، وأيضاً هناك كتاب «مولد المأساة» للفيلسوف العظيم فردريك نيتشه، والذي كتب بأسلوب أدبي رفيع، ويضم العديد من الأفكار اللامعة، وهنالك أيضاً كتاب «أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، هذا المؤلف المفعم بالجمال والمحتشد بالفلسفة، وكتاب «ألغاز» لهامسن، و«الجبل المسحور» لتوماس مان، و«توم سوير» لمارك توين، و«مرتفعات ويذرينغ» لإيميلي برونتي، و«الفرسان الثلاثة» لاسكندر دوماس، و«سيدهارتا» لهرمن هسه، و«البؤساء» لفيكتور هوجو، و«أوراق العشب» لوالت ويتمن، ورواية «بابيت» لسنكلير لويس، و«إيفانو» لوالتر سكوت.

وهنالك العديد من المؤلفات التي يستعرضها ميللر بطريقة ممتعة وبديعة، يتناول خلالها الكثير من المواقف، ويقدم الكثير من الآراء المهمة التي تفيد القارئ في رحلته مع تلك المؤلفات الخالدة.

آندي ميللر هو كاتب، ومحرر بريطاني، وبائع كتب، معد للبودكاستات الأدبية تحت شعار «إعادة الحياة للكتب القديمة»، كتب عدة مقالات، وظهرت مؤلفاته على أشهر الجرائد كجريدة التايمز والتيليغراف وغارديان وغيرها من الجرائد الأخرى، وفي مؤلفه «سنة القراءة الخطرة... كيف استطاع خمسون كتاباً عظيماً إنقاذ حياتي»، يستعرض هو الآخر خمسين كتاباً من المؤلفات العظيمة المؤثرة، حيث دخل هذا الكاتب في تحدٍ ألزم نفسه فيه بقراءة تلك المؤلفات، وكانت النتيجة أنها قد غيرت حياته ونظرته للأشياء من حوله.

ويقدم الكاتب تجوالاً بديعاً في مؤلفات لكتاب كبار، ومنها: «المعلم ومارغريتا» لميخائيل بولغاكوف، و«مدل مارش» لجورج إليوت، و«مكتب البريد» لتشارلز بوكوفسكي، و«البيان الشيوعي» لكارل ماركس وفردريك إنجلس، و«اللا مسمى» لصمويل بيكيت، و«موبي ديك» لهرمان ملفل، و«آنا كارنينا»، و«الحرب والسلام» لليو تولستوي، و«كبرياء وتحامل» لجين أوستن، و«الأوديسة» لهوميروس، و«الجريمة والعقاب» لدستوفيسكي، و«جين إير» لتشارلوت برونتي، و«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز، و«دون كيشوت» لميغيل دي سرفانتس، و«سر إيدون دروود» لتشارلز ديكنز، و«الفردوس المفقود» لجون ميلتون، و«حكاية الخادمة» لمارغريت أتوود، وغيرها من المؤلفات العظيمة، حيث يقول عنها آندي ميللر: «تعد الكلاسيكيات بالنسبة للأدب جواهر لن يبهت بريقها على مر السنوات».

مؤلفون ملهمون

ويعد الكاتب الأرجنتيني البرتو مانغويل، من أكثر المؤلفين الذي اقتحموا عالم الكتب والقراءة، في رحلة قدم خلالها زبدة تجاربه مع المؤلفات، ومن أهم كتبه «يوميات القراءة»، الذي يتحدث فيه عن تجربته مع الرواية الشهيرة «تجاذبات انتقائية» لغوته، حيث يتفرع الحديث عن مؤلفات أخرى، وكتاب كان لهم تأثير كبير فيه، وفي المقدمة يبين مانغويل أنه حين بلغ الثالثة والخمسين، قرر إعادة قراءة بعض كتبه القديمة المفضلة، ومن المؤلفات الأخرى هنالك «المكتبة في الليل»، والتي تتحدث عن طقوس القراءة، وتستعرض كذلك عدداً من الأعمال المهمة، أما في كتابه «ذاكرة القراءة»، فإن مانغويل يتناول عدداً من المؤلفين المهمين ويستعرض أعمالهم أمثال: أرسطو، ولوفكرافت، وأولفر ساك، والقديس أوغسطيوس، وريلكه، ويقدم لنا مانغويل في هذا الكتاب الأديب الكبير كافكا كما لم يقدمه أحد من قبل، مستعرضاً أهم أعماله.

شخصيات مذهلة

ولعل من أهم المؤلفات التي يستعرض فيها مانغويل أهم الكتاب والمؤلفين وإصداراتهم، هو كتاب «شخصيات مذهلة في عالم الأدب»، حيث يصطحب القراء في تفاصيل رحلة عامرة بالجمال، يتناول خلالها 37 شخصية في عالم الأدب، وهي: «مداد بوفاري»، وهي بطلة الرواية التي تحمل ذات الاسم، للكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير، و«ذات الرداء الأحمر»، و«الجميلة النائمة» للكاتب شار بيرو، و«دراكولا» لبرام ستوكر، و«فاوست» لغوته، و«روبنسون كروزو» لدانيال ديفو، و«كوازيمودو»، بطل رواية «أحدب نوتردام» لفيكتور هوغو، و«اليهودي التائه» ليوجين سو، و«لونغ جون سيلفر»، بطل رواية «جزيرة الكنز» لروبرت لويس ستيفنسون.

رواية

من المؤلفات التي تقدم إضاءة مميزة، وبطريقة مبدعة ومبتكرة وغير مسبوقة، رواية «الكتب التي التهمت والدي»، للكاتب البرتغالي أفونسو كروش، حيث تحكي تفاصيلها الغريبة عن يفالدو بونفين، وهو موظف حكومي يعيش حياة رتيبة ومملة في مكتبه بمصلحة الضرائب، ليأخذ معه بعض الروايات ليقرأها خلسة، وذات يوم، وبينما كان يتظاهر بالعمل، انغمس في القراءة واختفى من هذا العالم بين ثنايا الكتب، ليبدأ ابنه إلياس الذي يقوم بدور الراوي في البحث عنه داخل أمهات الكتب الكلاسيكية، حيث نتابع في الرواية استعراضاً لأهم تلك المؤلفات التي سافر في ثناياها الوالد ومنها: «جزيرة الدكتور مورو» لهربرت جورج ويلز، و«دكتور جيكل ومستر هايد» لروبرت لويس، و«الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي، وفي هذه المهمة أو المغامرة العجيبة يواجه الابن الذي يبحث عن أبيه شتى أنواع المخلوقات والشخصيات الخيالية ونماذج مختلفة من المجرمين الذين هم في الأصل أبطال لتلك الروايات الكلاسيكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yp7fzrax

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"