عادي
الكتب الأكثر تأثيراً.. نصوص ضد النسيان

عوالم غير قابلة للتكرار

23:05 مساء
قراءة 6 دقائق

القاهرة: وهيب الخطيب

تبقى الكتب الأكثر تأثيراً حاضرة على الدوام في الذاكرة، كتب وهبتنا المعرفة والمتعة، نعود إليها بين فترة وأخرى، وفي كل مرة نكتشف عوالم جديدة وحكمة كامنة وأشياء مخفية بين السطور لم ننتبه إليه عند قراءتنا لها للمرة الأولى، وهي ميزة لا تتحقق لكل النصوص، هي كتب تصحبنا في مختلف مراحل حياتنا، تدهشنا في الطفولة وتحاورنا في المراهقة والشباب ولكنها في كل أحوالنا تمنحنا بعض السكينة وكثيراً من التأمل والتفكر. البعض يطلق عليها «كلاسيكيات»، والكثيرون يصفونها ب«الخالدة»، أثّرت بقوة في ملايين البشر، وضمّنتها الكثير من البلدان ضمن مناهج التعليم في المدارس والجامعات، وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» جولة تذكرنا بأبرز تلك النصوص وأهم من كتبوا عنها.

الصورة
1

لقرون عدّة، كانت الكتب أحد الأشكال المركزية للترفيه للبشرية، ويستثمر القُرّاء ساعات لا حصر لها في الهروب إلى عوالم جديدة وفريدة من نوعها، ويفقدون أنفسهم في كلمات وصفحات الكتب من مختلف الأنواع. ولأن كثيراً من الناس يسألون عادة عن الكتب التي أثرت في الكُتّاب والمثقفين، استطلعنا في «الخليج» آراء عدد من المبدعين والكُتّاب عن أهم الكتب التي أثَّرت فيهم.

قال الروائي والشاعر أحمد فضل شبلول «كتب كثيرة أثّرت في حياتي وفي مشواري الإبداعي، وليس كتاباً واحداً، وإذا استبعدنا القرآن الكريم باعتباره الكتاب المقدس الأهم والأكثر تأثيراً في حياة البشر، وخاصة المسلمين، فإنني أستطيع أن أتحدث عن (ألف ليلة وليلة)، تلك الليالي الملهمة، التي تسمح بانطلاق الخيال وتجاوز الآفاق والأعماق إلى السحر والغموض والإبهار والأفكار التي لا ترد على عقل إنسان».

وأضاف «استمعتُ إلى حلقات ألف ليلة وليلة في الإذاعة المصرية صغيراً، بصوت الممثلة القديرة زوزو نبيل التي أدت دور شهرزاد، ومجموعة رائعة من الممثلين، وقرأتُ مختصراً لها في شبابي، ثم قرأتُها كاملة بأجزائها الأربعة بعد ذلك، وما زلت أقرأها حتى الآن. ففي قراءتها متعة ما بعدها متعة. إنها عالم متكامل من البشر والعلاقات والخيالات والأوهام والأحلام والرحلات والمغامرات والجن والحيوانات والإنسان الغني والفقير، التاجر والملك والأمير، وكل ما هو معقول ولا معقول في إطار سردي روائي حكائي نثري وشعري مبهر، أمتعتْ وأثرتْ في أجيال وأجيال سواء من العرب أو الأجانب الذين شغفوا بها بعد ترجمتها إلى لغات أجنبية عدّة».

وتابع مؤلف «الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ»، «ضبطتُ نفسي متلبساً بأجوائها في أكثر من عمل شعري، فهي دائماً تعيش في اللاوعي، وعندما خضتُ عالم الكتابة الروائية، وجدتُ أجواءها تتسلل إلى عالم روايتي الثانية (الماء العاشق) التي تدور بعض أحداثها في عالم فانتازي تحت الماء، ثم اتضح هذا التأثر وهذا العالم أكثر في روايتي (ثعلب ثعلب) التي تعد الجزء الثاني للماء العاشق. وبعض النقاد تحدثوا عن التناص مع ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة في هذا الجزء، من الصعب على من يقرأ الليالي العربية أن يتخلص من تأثيرها فيه وفي إبداعه، حتى أن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ تأثر بها كثيراً، فكتب رواية تحمل عنوان (ليالي ألف ليلة) وصدرت عام 1982. ناهيك عن تأثيرها في صناعة الواقعية السحرية لدى عدد كبير من الكُتّاب يأتي على رأسهم الكولومبي غارثيا ماركيز».

*قوة اللغة

من جانبه، قال القاص والروائي عمرو العادلي «الكاتب الأكثر تأثيراً في حياتي هو يوسف إدريس، وذلك لما اكتشفه من قوة اللغة ودهشتها، شاب بدأ حياته في بداية الخمسينات، بوجود طه حسين والعقاد ويحيى حقي وتوفيق الحكيم، لكنه جعل من اللغة المكتوبة لغة أقرب للجديدة، لا علاقة لها تقريباً بما كتبه هؤلاء العظماء، كانت لغته جديدة حتى على هؤلاء، فسرعان ما اكتسب ثقتهم على الفور، منذ مجموعته الأولى (أرخص ليالي) أصبح نجماً في عالم الأدب، لم أقصد النجومية بمعناها الحرفي، لكن أقصد ما تسبب فيها، موهبته الكبيرة في حيوية اللغة، في تركيب الجملة والفقرة والمعنى الأدبي، منذ سبعين سنة لم يكن هناك من يفكر بهذه الحرية الإبداعية».

وأضاف: «لو سألتني عن أكثر الكُتّاب تأثيراً فيَّ، فلن يكون غير يوسف إدريس، ولو اتسعت الدائرة قليلاً سأضم نجيب محفوظ وغسان كنفاني، فالأول المتسامح الأكبر والثاني المقاوم الأعظم، ولولا تحديد اسم واحد لأضفت أسماء كثيرة تأثرت بها، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الإبداعي».

من جهته، قال الروائي والقاص محمد علي إبراهيم، «المخاطبات للنفري، كتاب مُحَرِّض بامتياز»، موضحاً «يبدو سؤال عن كتاب هو الأكثر تأثيراً صعباً، لكن في وجود كتاب المخاطبات للنفري تسقط الرغبة لاختيار كتاب آخر، من ناحية فهو كتاب فخم في لغته، لغة عظيمة مكثفة متجاوزة لزمان كتابتها، ومن ناحية فهو كتاب عابر للنوع، ليس كتاب شعر، ولا نستطيع تصنيفه كقصص قصيرة أو متتالية، رغم تماسكه الفني ووضوح رؤية كاتبه».

وتابع مؤلف رواية «ليلى وفرانز»: «كتاب يتخطى حاجز التابوه بمسافة كبيرة، ويأخذ ما نتداوله عن (شطط) الصوفيين كغطاء ماكر ليكتب كما يشاء، هذا الكتاب جعلني (حراً) بشكل أو بآخر، كما جعلني قادراً على التفكير، ومقترباً مما يخاف العاديون من الكتابة عنه أو حوله».

مسيرة

على صعيد مقابل، قالت الروائية نورا ناجي «ليس كتاب واحد، هناك كتب وأعمال عدّة أثرت فيّ وفي مسيرتي، منها على سبيل المثال (سري للغاية) التي صدرت ضمن سلسلة رجل المستحيل لنبيل فاروق، جعلني أكتب وأقرأ وكنت في عمر سبع سنوات، فهو صاحب تأثير كبير».

وتابعت نورا ناجي الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في مجال القصة القصيرة لعام 2023، «أتذكر أن والدي كان دائماً ما يجلب لي سلسلة الأدب وأنا صغيرة، ومن أكثر الروايات التي تأثرت بها حينها (روبنسون كروزو)، وفكرة العزلة، حتى أنني حتى الآن أعيش عزلة مثل التي قرأتها في الرواية. كذلك كنت مغرمة بإحسان عبد القدوس لفترات طويلة، خاصة روايته (الطريق المسدود)، وقرأتها أكثر من عشرين مرة، وفي هذه الرواية أكثر ما أثر فيّ هو القدرة الفائقة على وضع البشر في أماكنهم الطبيعية، فليس هناك أبيض وأسود، وهي من الطرق التي تستهويني، لأنها طريقة سلسة للغاية».

وأضافت نورا ناجي: «حين كبرت، اتجهت لأدب ألبير كامو، كذلك الشعر، وخاصة أشعار أمل دنقل، وأعتقد أن كثيراً من الصور والمجاز استلهمتها منه، كما أن النظرة الفلسفية ناحية الوجود وكيف يتحول شخص فجأة إلى قاتل تأثرت فيها بكامو وخاصة في روايته الغريب، وفي فترة الجامعة، كانت رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي واحدة من أكثر الروايات التي أثرت فيّ حينها، وبدأت من حينها انتبه للغة وللتشبيهات وأعرف كيف ألعب باللغة، ومتى أستخدم التعبيرات الشعرية».

إثارة الدهشة

من جانبها، قالت الروائية شيرين فتحي: «مجموعة «الأشياء تنادينا»، للكاتب الإسباني خوان خوسيه مياس تُعتبر من أكثر الكتب التي تركت أثرها معي في العشر سنوات الماضية، الكتاب به حوالي 77 قصة قصيرة وهو عدد كبير للغاية بالنسبة لمجموعة قصصية، القصة الواحدة لا تزيد على صفحتين في الغالب، لكنها كفيلة بتغيير كل ما عرفته أو خبرته في السابق عن فن كتابة القصة»، متابعة «كتاب غني وملهم للغاية لدرجة أني أعيد قراءته من وقت لآخر وبالاستمتاع نفسه».

وأضافت مؤلفة «خيو ليلى»، إن «مياس قادر على إثارة دهشتك بجملة واحدة، أو ربما مقطع واحد، وقادر على الاحتفاظ بهذه الدهشة طوال العمل. ففي قصة بعنوان (ولا أزال أعزب) يحكي الراوي عن قصة حب صديقه التي تدور بين فتى ومانيكان في فاترينة. لكنها ليست كأي مانيكان، فالفتى يراقبها كل يوم، يظل واقفاً أمامها بالساعات خاصة بعدما لاحظ أنها الوحيدة التي تتعرق وتبلل ملابسها كل يوم ببقعتين من العرق ينحدران تحت إبطيها. وبعد مرور فترة من الزمن يحضر راوي القصة عرس صديقه حبيب المانيكان، وحين يدقق في العروس يلمح في ردائها أيضاً بقعتين من العرق. ربما هذه هي الكتابة الحقيقية، أن تتعرق الكلمات بينما تكتبها، ويكاد يلمس القارئ هذا العرق ويحسه ويصدقه، حتى وإن كان صادراً من جماد صلب، أو كلمات وأحرف عاجزة عن التعرق من الأصل».

وأوضحت المؤلفة الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية لعام 2023 «كتابة مياس بعيدة كل البعد عن التعقيد، لكنها تأخذك لمعانٍ وفضاءات أوسع بكثير مما تتوقع». واختتمت مؤلفة «خفة روح» بقولها «هذه القصة مثال بسيط عن الجمال والدهشة المتتابعة في كل قصص المجموعة، كقصص الميتة ومكالمة من وراء القبر وزيت خروع وتصوف وذراع أبي اليمنى، الكتاب في مجمله أعتبره ورشة حقيقية لتعليم فن الكتابة».
تحفيز على الكتابة

أوضحت نورا ناجي أن «أعمال الأديب العالمي نجيب محفوظ، جذبتني ولا تزال، أول رواية قرأتها له (بداية ونهاية)، لم تكن أفلامه تعجبني وأنا صغيرة، وتخوفت من قراءته في البداية، لكنني غرقت في أعماله بعدما قرأته، وجذبني سرده المتقن والأفكار الفلسفية الكبيرة، كما يفعل ماركيز لأنهما متشابهان لحد كبير، ولذلك أنا أحب (مئة عام من العزلة) و(الحب في زمن الكوليرا)، وبالمناسبة ليس أساساً أن تكون الروايات التي ذكرتها هي أكثر الأعمال التي أحبها، فأنا أحب (الحرافيش) في أعمال محفوظ لكن (بداية ونهاية) أثرت فيّ بقوة، وحركت بداخلي أشياء حفزتني للكتابة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ykrsrpx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"