إيران ومنظمة شنغهاي للتعاون

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*
تعود نشأة منظمة شنغهاي للتعاون إلى اتفاق شنغهاي الخماسي عام 1996، بين الصين وكازاخستان وقرغيزيا وروسيا وطاجيكستان، وهو الاتفاق الذي نظم النشاط العسكري في المناطق الحدودية، وأنهى المناورات العسكرية الاستفزازية.

وفي عام 2001، انضمت أوزباكستان للدول الخمسة، وتم إضفاء الطابع الرسمي والرؤية الدولية للمنظمة، وأدى ذلك إلى توسيع مصالح الدول لأبعد من المشاكل الحدودية إلى تعاون استراتيجي إقليمي. وبعد ذلك انضمت كل من الهند وباكستان إلى المنظمة، والتحقت بها كل من إيران وأفغانستان ومنغوليا وبيلاروسيا، كأعضاء مراقبين، إضافة إلى أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وتركيا وسريلانكا، كشركاء استراتيجيين في الحوار.

وهكذا، تم تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون كمؤسسة مخصصة لأمن آسيا الوسطى، ولمعالجة مشكلة الفراغ المؤسسي الإقليمي، والفجوة الخطرة في التعاون الاستراتيجي في هذه المنطقة. ولم يكن إنشاء المنظمة مؤشراً على الرغبة في التعاون الإقليمي فقط، ولكن أيضاً لتوسيع ولايتها وراء المسائل الأمنية البحتة، وتنمية التعاون بين أعضائها في المجالات السياسية والاقتصادية، ومجالات العلوم والتكنولوجيا والتعليم والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة ومجالات أخرى. ولكن اتضح أنّ اهتمام المنظمة ككيان بالمجال الاقتصادي كان أكبر بكثير من اهتمامها بمواجهة المشكلات الأمنية التي تواجهها، ولاسيما التطرف والإرهاب والانفصالية من حيث الآليات المتبعة والكيانات المشكّلة، حيث شكلت المنظمة نادي الطاقة الذي أحرز أعضاؤه تقدماً كبيراً في تعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية، بجانب مشروعات التعاون في مجال اكتشاف واستخراج ومعالجة النفط، وغيرها. ثم أضيفت، لاحقاً، أهداف للمنظمة تتعلق بمناهضة الهيمنة الأمريكية على العالم، والدعوة إلى تأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب وتشييد نظام اقتصادي عالمي جديد، أو على الأقل فك الارتباط بالنظام الاقتصادي الراهن الذي تسيطر عليه الدول والمؤسسات الغربية.

واستمد بناء منظمة شنغهاي الكثير من ممارسات المجتمعات الأمنية في شمال وجنوب آسيا كما الحال في منظمة الآسيان. وضمنياً، وبشكل غير رسمي، هناك تركيز وتوافق في منظمة شنغهاي على تطوير سياسة «الإقليمية المفتوحة»، والتأكيد على عدم العنصرية، وقد تم اعتماد هذه الأحكام من أجل استيعاب القوى والتوجهات السياسية المختلفة بين الأعضاء.

وبعد أن كانت تتمتع بوضع المراقب لسنوات، أصبحت إيران عضواً كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وفقاً لإعلان نيودلهي، الذّي تبناه اجتماع رؤساء دول المنظمة، في 4 يوليو 2023. وقد أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، متحدثاً خلال الاجتماع عبر تقنية الفيديو، أن العضوية في المنظمة ستوفر لإيران الشروط اللازمة لتعزيز الأمن وضمان السيادة والتنمية الاقتصادية المستدامة. وأكدت القمة الأخيرة على تعزيز السلام الإقليمي والأمن الجماعي والانتعاش الاقتصادي والتضامن والثقة المتبادلة. كما ناقشت منظمة شنغهاي للتعاون التحول إلى العملات المحلية للتجارة بسبب العقوبات الأمريكية وهيمنة الدولار. ويُعتقد أن توسع منظمة شنغهاي للتعاون هو عمل موازنة ضد الهيمنة والضغط الغربيين.

والحقيقة إن دخول إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون يحمل رسائل عدة، إلى المنطقة والعالم في آن واحد، وهي: أولاً، السياسة الإيرانية موجهة نحو الشرق، وتلاشى الاتجاه الغربي بشكل ملحوظ مقارنة بالماضي غير البعيد. ثانياً، سيسمح تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية داخل منظمة شنغهاي للتعاون مع إيران، بإيجاد طريقة فعالة للالتفاف على العقوبات الأمريكية. ثالثاً، مع دخول إيران إلى صفوفها، تكتسب منظمة شنغهاي للتعاون عضواً آخر، وهو قوة إقليمية، من أجل تحقيق غرضها المتمثل في تشكيل منظومة عالمية متعددة الأقطاب.

ومن المرجح أن تتوثق علاقات إيران الاقتصادية بمنظمة شنغهاي للتعاون؛ كونها ترتبط بشراكات اقتصادية واستراتيجية بأعضائها، وعلى رأسهم روسيا والصين.

وفي ظل التقارب الإماراتي-الإيراني، وشراكات الإمارات الاقتصادية والاستراتيجية مع معظم دول منظمة شنغهاي للتعاون، وعلى رأسها الهند وباكستان والصين وروسيا، من المحتمل أن تسعى دولة الإمارات للالتحاق بالمنظمة، على الأقل بصفة مراقب، مثل السعودية ومصر.

والخلاصة أن انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون له مضامين دولية وإقليمية مهمة. فعلى المستوى الدولي، يعزز هذا الحدث من وضع المنظمة، ومن موقفها المناهض للهيمنة الأمريكية والداعي للتعددية الدولية سياسياً واقتصادياً. وعلى المستوى الإقليمي، يقوّي مكانة إيران وموقفها المتحايل على العقوبات الاقتصادية الغربية.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2x5uucz5

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"