ثروة الأمم والنماذج الاقتصادية

21:56 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *

في عام 1764، شرع آدم سميث في تأليف كتابه الذي أطلق عليه «حتى يمر الوقت»، ويصفه النقاد بأنه «كتاب رائع» بمثابة تحقيق في طبيعة وأسباب ثروات الأمم، وهو واحد من حفنة من الكلاسيكيات الاقتصادية، التي توفر المتعة عند قراءتها إلى الآن– 950 صفحة - ولكن عند قراءة هذا الكتاب ستشعر من اللغة التي كتب بها، بأنك تقرأ مجلة للأعمال كتبت في وقتنا الحالي، وليست أطروحة حول الاقتصاد السياسي، كتبت في القرن الثامن عشر.

يبدأ هذا الكتاب بمحاضرة طويلة حول مميزات تقسيم العمل، ومن ثم الحديث عن تاريخ النقود، ثم يعرض الأقسام المعتادة المستخدمة في التحليل الاقتصادي، وهي: الأسعار، والأجور، والأرباح، والفائدة، وإيجار الأرض، ومن ثم يقوم الكتاب بعمل استطراد حول أسعار الفضة، أو ما يمكن أن نطلق عليه الآن «التضخم». وفي الكتاب الثاني توجد مناقشة لحساب الدخل القومي ولنظرية تراكم رأس المال. وترى دراسات أنه (مما لا شك فيه أن هناك نموذجاً مبكراً مختفياً هنا، حول ما يطلق عليه الاقتصاديون الآن التدفق الدائري، والذي يشيرون به إلى التدوير مزدوج الطرق للنقود من جهة، وللسلع والخدمات من جهة أخرى، وبين عوامل الإنتاج المتنوعة من ملاك الأراضي والمزارعين والصانعين). وقد قام «ريتشارد كانتيلون» وهو المغامر الأيرلندي المولد والذي يعود إليه الفضل في حساب الدخل القومي لأول مرة - بتوضيح التصور في السنوات الأولى من القرن الثامن عشر. وقام الفرنسي «فرانسوا كینای» بتقديم ذلك التصور على الأقل، بطريقة يمكن قياسها نظرياً - وهى الطريقة التي شغلت جميع الأوساط في باريس في الستينات من القرن الثامن عشر- عن طريق الجدول الاقتصادي، وهو عبارة عن رسم بياني متعرج صمم لوضع خطة تفصيلية لقياس تدفقات الدخل بين القطاعات المتنوعة للاقتصاد الفرنسي، وهنا استوعب سميث من دون جهد يذكر تصورات حسابات الدخل القومي وأدخلها في مخططه، والآن يمكن أن تجد تفسيراً للتدفقات الدائرية في الفصل الأول من أي نص اقتصادي.

وتضمّن الكتاب الثالث حول الثروة تاريخاً رائعاً ومدهشاً لأوروبا منذ سقوط روما. أما الكتاب الرابع فتضمن هجوماً طويلاً على المحاولات الحكومية لتنظيم التجارة بهدف الوصول إلى غايات معينة. وقد عارض سميث تلك المذاهب بجدليات في مصلحة تحرير التجارة على جميع المستويات. وبشكل تام، تم الحديث بقوة وباختصار عن المنافسة، في مواجهة «حكمة السياسي» كما لم تكتب من قبل، وأخيراً هناك الكتاب الخامس الذي يعد عملاً بارزاً ويمكن استخدامه كدليل في مجال المالية العامة، وترى أغلبية الدراسات الاقتصادية أنه جميع تلك الكتب تمت صياغتها باستخدام النثر، وصممت بشكل جيد ومتوازن كآلية ساعة جيدة، مع وجود بعض الرؤى التي تتميز بالدهاء، إضافة إلى الكلمات الجميلة المتناثرة في جميع أجزاء الكتاب الذي تم الاحتفاء به على المستوى العالمي. ولا يعد هذا العمل قطعة أصلية رائعة فحسب، ولو كان كذلك فقط، لكان يمكن تصنيفه كما تم تصنيف كتاب «إدوارد جيبون هبوط وسقوط الإمبراطورية الرومانية»، الذي لا يزال يقرأ إلى وقتنا الحالي (بالرغم من أن هوامشه تقرأ أكثر من النص الأصلي للكتاب). فهذا الكتاب يعد علامة على الثقافة، مع وجود تأثير محدود نسبياً يمكن قياسه في التاريخ الأكاديمي للإمبراطورية الرومانية، وفقاً لممارسات الحرفة في وقتنا الحالي.

أما كتاب الثروة على الجانب الآخر، فإنه نادراً ما يقرأ من قبل الطلاب. وفي خلال خمسين عاماً تم استبداله بسلسلة طويلة من الكتب الدراسية التي تحتوى على المبادئ الاقتصادية، وبعد خمسين عاماً أخرى أصبحت الوسائل الرئيسية لتعديل الآراء تكتب في مقالات يمكن قراءتها في المجلات العلمية، ولكن تأثير كتاب الثروة على حياتنا اليومية لا يزال كبيراً كما لوكان تم إدراجه في القانون. وفي الواقع فإن هذا الكتاب قد بلغ مرتبة القانون، من خلال التوافق العالمي الذي تشكل حوله إطاره الأساسي الذي يتناول تحليل الأسواق.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3z7w86

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"