عادي
اكتشاف يغيّر خريطة المشاعر

حب الذات في ميزان العلاقات الاجتماعية

23:32 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: زكية كردي
مرآة سحرية بانعكاس مفاجئ.. يترصد بك في كل مكان، حاملاً لافتة مكتوبة بوضوح «حب الذات»، إنها أشبه بشعار يرفعه اليوم مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، ومدربو التنمية البشرية، ومعلمو اليوغا، والمتحدثون في كل مكان، يخبرونك عن هذا الاكتشاف السحري الذي أطلقته الكاتبة الأمريكية لويز هاي وتحدثت عنه باستفاضة في مؤلفات عدة تناولت فيها تجاربها في رحلة الشفاء والتعافي على جميع المستويات الروحية والنفسية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية، ويصفها البعض بأنه الاكتشاف الأروع في القرن العشرين، فهو الدليل في إعادة ترتيب المشاعر والعلاقات.

1
وصال محمود

العلاقة مع الذات هي الأساس الذي تقوم عليه باقي العلاقات، هذه هي القاعدة البسيطة التي بدأت منها وصال المحمود، معلمة لغة انجليزية، رحلتها في اكتشاف نفسها وفهم ما يحدث معها، وتقول: «الاختيارات الخاطئة في الحياة تكون دليلاً على وجود خلل بعلاقتنا بأنفسنا وتقديرنا لها، قد ينظر البعض إلى الأمر بسطحية، لكن عندما يمرون بتجارب مؤلمة يدركون أهمية وعمق ما أتحدث عنه، وأعتقد أن كل إنسان يمر بأوقات يشعر بها بأنه وحيد وغير قادر على الاتّكاء على أحد، أو أنه يفتقد الشريك الحقيقي، الأصدقاء الجيدين، ويتساءل عن السبب في افتقاده لهذه المشاعر الصادقة، وتضيف بأن التساؤل عن الآخرين لن يوصلنا إلى الأجوبة، علينا أن نعود وننظر بداخلنا لنفك تلك الشيفرة».

وتعتبر أمل جابي، ربة منزل، أن التربية عبر عصور طويلة خلقت مفاهيم خاطئة عن علاقتنا بأنفسنا، ولهذا يعتبر استيعاب «حب الذات» بمعناه العميق أمراً شاقاً ويحتاج إلى الكثير من التعمق والتحليل، وتقول: «جميع القيم التي قامت عليها التربية، والمناهج الدراسية كانت تقوم على إنكار الذات والتضحية، فالصورة النموذجية سواء كانت للآباء، الأبناء، الأصدقاء، الإخوة، كانت تتمحور حول تفضيل الآخر على أنفسنا، والتعامل مع هذا الخطأ التكويني في شخصياتنا ليس بالأمر السهل، فمعظم أمهات اليوم يجدن مشكلة في التعامل مع مشاعر الذنب في علاقتهن مع أبنائهن لأسباب غير منطقية، ويعتبرن ضمنياً أن التخلي عن أنفسهن هو المعنى الحقيقي للأمومة، لهذا ما تزال الأمهات تجدن صعوبة في مختلف الخيارات وأمام الكثير من الفرص التي يصادفنها لأنهن عاجزات عن هضم فكرة أن عليهن أن يحببن أنفسهن أولاً ليتمكنّ من منح الحب لأبنائهن».

1
أحمد حسون

معايير قاسية

يوافقها الرأي أحمد حسون، صاحب عمل حر، ويقول: «المجتمع يفرض معايير قاسية، المشكلة في أن المجتمع يفتقد الرحمة في الكثير من الأحكام التي يطلقها على الآخرين، خاصة بالنسبة للنساء، ومن تجربة خاصة أستطيع القول إن هذه المفاهيم المغلوطة تدفع الكثير من النساء للاستغناء عن أنفسهن والاعتقاد بأنهن من حق العائلة ولا يملكن أية سلطة على الاختيار أو التطلع لما يرغبن به، فأنا أعرف امرأة تطلقت بعد زواجها ببضعة أشهر، وأنجبت طفلة فقررت أن لا تتزوج مجدداً وأيدتها عائلتها في هذا القرار، فقد كانت البنت الوحيدة مع عدد من الإخوة الشبان، وكانت الأم تحتاج إليها لتساعدها في شؤون المنزل، ويضيف بأن الغريب أن الجميع ينظر إلى هذا التصرف بإعجاب ويعتبرون تخليها عن حياتها وعن كيانها خياراً نبيلاً، خاصة أنها لا تنتظر مقابلاً من أحد وتستمر بتقديم ولائها وخدماتها للعائلة بكل حفاوة دون أن تنتظر كلمة شكر أو تصرف يدل على التقدير».

ولعل الحديث عن المرأة ينقلنا إلى فرضية أن الرجل أوفر حظاً فيما يتعلق بالتربية على حب الذات، إلا أن هذا غير صحيح، حسب منصور درويش، مدرب لياقة بدنية، يقول: «التعمق في الصورة الإيجابية والمثالية التي يرسمها المجتمع عن الرجل يجعلنا نرى بوضوح صعوبة المعايير المفروضة عليه ليكون زوجاً صالحاً وأباً طيباً وابناً وأخاً وصديقاً، فهو المسؤول الأول عن تأمين متطلبات عائلته دون نقاش ومن المعيب أن ينتظر المساعدة من زوجته حتى وإن كانت تعمل وتتقاضى راتباً يعادل راتبه، وهو مطالب بأن يكون متفانياً في دعم الأهل والإخوة والأصدقاء، ومن البديهي أن يكون مطالباً بأن يضع نفسه في نهاية قائمة الأشخاص المهمين بالنسبة له ليكون إنساناً جيداً، إنها بديهيات لا نناقشها في حياتنا اليومية ولا نتحدث عن الضغوط التي تسببها للرجل».

انشغال كلي

عن تجربتها في «حب الذات» تؤكد نسرين رجب، ربة منزل، أن الأمر كان غريباً ومربكاً بالنسبة لها، وتقول: «النظر في المرآة على طريقة لويز هاي، ورؤية هذه الطفلة الصغيرة التي تنتظر الاهتمام بداخلي، بينما أنا منشغلة كلياً بمنح الاهتمام لأبنائي وعائلتي، كانت مواجهة صعبة بالنسبة لي جعلتني أشعر بالقسوة التي كنت أعامل نفسي بها، وبالندم لأني تجاهلتها لسنوات طويلة»، وأوضحت أن صديقتها كانت السبب في دفعها لعيش هذه التجربة لأنها كانت تنتقدها باستمرار على التخلي عن نفسها وتكريس كل وقتها لراحة ورفاهية عائلتها.

وتضيف أن من الصعب أن ندرك الفرق الذي نجده عنده هذه المواجهة، حتى في نوعية وجودة المشاعر التي نقدمها لأولئك الذين نحبهم، فالجميع يظن أن حب الذات رديف للأنانية وأنا منهم، لكنني عرفت أن حب الذات هو البداية لكل حب حقيقي وصحي ونقي داخل أنفسنا، إنه أشبه بابتسامة ساحرة وعذبة نضيفها على اهتمامنا بمن حولنا فنمحنهم الراحة والسعادة.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yw9z3mnp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"