الحكومات وقيادة عملية الابتكار

21:51 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *

هناك حوارات ومراجعات جارية بين نخب البلدان الغربية، حول بعض الافتراضات التي يقوم عليها النموذج الرأسمالي الغربي الذي ظل قائماً على دور الفرد والقطاع الخاص، وليس تدخل ودعم الدولة، ولكن أزمتي كورونا وأوكرانيا، إضافة إلى صعود الصين السريع منافساً للغرب ومهدداً للمزايا التي يتمتع بها في مجال التكنولوجيا المتقدمة، أملت على تلك النخب الغربية القيام بتلك المراجعات. وفي هذا السياق ظهرت دراسات اقتصادية أمريكية تشدد على ضرورة استغلال الحكومات لسلطاتها في قيادة عملية الابتكار من أجل النهوض بالبشرية. وأنه لم يكن بالإمكان الخروج من أزمة «كوفيد – 19» في حالة عدم إعادة النظر في دور الحكومة الذي يتمثل في وضع مجموعة من الأهداف الكبرى، وتحديداً المهام اللازمة لتنفيذ تلك الأهداف، وتشجيع الابتكارات والاستثمار فيها، وتنظيم هذه العملية لضمان منفعة العامة. ويتعارض ذلك مع المفهوم التقليدي الحديث، ومفاده أن دور الحكومة هو معالجة تداعيات الكوارث وتصحيح الاختلالات السوقية الجسيمة، وبخلاف ذلك، فإن عليها إفساح المجال للشركات الخاصة لقيادة عملية الابتكار. ووفقاً لهذه الدراسات، فقد أدى هذا النسق الفكري إلى الأزمة المالية في 2007 – 2008، وما لحقها من موجة تقشف حكومي مدمرة، لا سيما في أوروبا. وترى تلك الدراسات أنه باسم الابتكار تم تقليص الخدمات الاجتماعية والاستثمارات العامة. ومن ثم كان لابد من إعادة النظر في دور الحكومة، حيث إن جزءاً كبيراً من ابتكارات القطاع الخاص في مجالي الرعاية الصحية والتكنولوجيا، وغيرهما، يعتمد على أبحاث ممولة من الحكومة، لا يمكن للمؤسسات الخاصة الاستثمار فيها، إما لعدم قدرتها وإما لعدم رغبتها. وتشير تلك الدراسات إلى دور الحكومة الأمريكية في تمويل البحوث الصيدلانية التي ساعدت شركات صناعة الدواء على اختراع أدوية جديدة، وكذلك دورها في استحداث التكنولوجيا التي استخدمتها شركة «أبل» في صناعة هاتف «آي فون»، والمنتجات ذات الصلة. وبالتالي يمكن للحكومة تشجيع الابتكار، ما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق مكاسب كبيرة على صعيد الرخاء الاجتماعي. وتشدد تلك الدراسات على أن مختلف درجات المعاناة الناتجة عن الجائحة التي شهدتها مختلف أنحاء العالم تدعم تلك الحجة، فقد تم تفريغ قدرات الدولة بالفعل بسبب النظرة الضيقة لدورها. وأنه إذا كان دور الدولة يقتصر على معالجة الإخفاقات السوقية ويتم إقصاؤها فيما عدا ذلك، لن يكون هناك حافز كبير على الاستثمار في آليات خلق المعرفة من أجل المشاركة في تحقيق القيمة، وينطبق ذلك خصوصاً على الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، حيث منع القادة السياسيون التمويل عن الصحة العامة، وانتقصوا من قيمة الحكومة نفسها، ما أدى إلى تراجع ثقة المواطنين، وقدرة الحكومة على الاستجابة للازمات.

وعلى العكس فإن حكومات عدد من البلدان الأقل حجماً وثراء، مقارنة بأمريكا وبريطانيا، مثل فيتنام ونيوزيلندا والدنمارك، التي قامت جميعها بتنفيذ استثمارات ضخمة في قدرات الدولة مع الوقت، استطاعت إدارة أزمة كورونا بشكل أفضل، من حيث تنفيذ إجراءات الإغلاق، ووفرت وسائل الحماية، وعززت ثقة المواطنين.

ولا يؤمن جميع الاقتصاديين بذلك الرأي بالطبع. حيث يعتبر بعضهم تلك الأطروحة مشابهة إلى حد كبير لمفهوم السياسة الصناعية المخططة مركزياً، وأنها لن تنجح بالتالي، نظراً لأن الحكومة غير قادرة بطبيعتها على تشجيع الابتكار، ورواد الأعمال هم الدافع والمحرك وراء الابتكارات، نظراً لتعمقهم في مجالهم وقدرتهم على الاستفادة من الاكتشافات واستخدام حدسهم وتطبيق مبدأ التجربة والخطأ.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc2nvywk

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"