الورقمية

01:26 صباحا
قراءة دقيقتين

في عصر التحول الرقمي الذي نعيشه، صار كل شيء مرتبطاً بالتكنولوجيا والإنترنت، من الأعمال والتعليم والتواصل والترفيه وحتى الصحة. لكن هل فكرنا يوماً فيما سيحدث إذا تعطلت التكنولوجيا أو اختفت لسبب طارئ غير متوقع؟ هل سنستطيع مواصلة حياتنا بشكل طبيعي إذا فقدنا كل ما هو ورقي لاعتمادنا على الأثير لتخزين البيانات والمعلومات؟

هذه التساؤلات، جعلتني أفكر في مفهوم أسميته «الورقمية». وأعني به المحافظة على جميع معلوماتنا ضمن كتب ورقية يُحتفظ بها في مكان آمن ومتاح يكون بمثابة بنك للمعلومات، تخزن فيه جميع البيانات الضرورية الحساسة، والكتب المتعلقة بالعلوم والثقافة والفنون، وغيرها من المجالات التي تشكل هويتنا وثروتنا المعرفية، في نفس الوقت الذي نخزنها فيه رقمياً، ليكون هذا البنك مرجعاً في يوم من الأيام، سواء لنا أو للأجيال القادمة في حال اختفت التكنولوجيا، ولم يبقَ سوى الوثائق الورقية لنستمر على قيد الوجود ونواصل مشوار التقدم.

ولكن، كيف يمكن تحويل هذا المفهوم إلى واقع ملموس في عالم تسوده الرقمنة؟ في هذا السياق، يأتي دور الجهات المسؤولة عن حماية المعلومات والثقافة الوطنية والهوية الإنسانية، من خلال إنشاء بنك ورقي للمعرفة يحتوي على جميع الكتب الهامة والضرورية للحفاظ على تراثنا الإنساني، بما في ذلك المجالات العلمية والأدبية والفنية والدينية والتاريخية وغيرها، ويعكس تنوع وتعدد الثقافات والحضارات. كما ينبغي وضع آلية لتحديث هذا البنك بشكل دوري، وضمان سلامته من أي خطر قد يهدده، سواء كان طبيعياً أو بشرياً أو تقنياً.

بالإضافة إلى ذلك، من الأهمية بمكان تشجيع المؤسسات والأفراد على اتباع المبدأ نفسه، من خلال توعيتهم بأهمية الحفاظ على نسخ ورقية من مستنداتهم وأبحاثهم وإبداعاتهم، جنباً إلى جنب مع دعم المكتبات الورقية وتزويدها بكل ما تحتاج إليه من مصادر وتجهيزات، وحث الجميع على زيارتها والاستفادة منها بشكل منتظم. بهذه الطريقة، يمكن لنا أن نضمن استمرارية التعليم والبحث والإبداع في حال اختفاء التكنولوجيا أو توقفها.

إن فكرة «الورقمية» ليست رجعية أو معادية للتقدم، بل استباقية وعملية، لكونها تحفظ لنا حق الحصول على المعلومات في حال انقطاع التكنولوجيا أو انهيارها، وتحمي ذاكرة الإنسان من الضياع أو التحريف. فلا ندري متى تحدث مفاجآت غير متوقعة تجعل التكنولوجيا تندثر أو تغدو عديمة الجدوى. في هذه الحالة، سيكون الورق هو الشاهد الباقي على حضارتنا والمصدر الأمين للمعرفة. لذا، يتوجب علينا أن نكون «ورقميين» قبل فوات الأوان، وأن نجعل هذه الفكرة رسالة نبثها بين أبناء جيلنا والأجيال القادمة، لنصون ميراثنا الإنساني.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23c55haf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"