عادي
قراءات

«علم النفس» من الرومان إلى الآن

23:22 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

قديماً وقبل ميلاد المسيح بخمسة قرون، كان الطبيب اليوناني الأول أبو قراط يصف المخ البشري، ويقدم العلاج لمرضاه، وتشير أعظم النصوص القديمة والباقية والخالدة إلى هذا الطبيب العظيم، الذي وصف المخ بما يلي: «إن البعض على اعتقاد شائع بأن القلب هو العضو الذي عن طريقه نفكر ونتألم ونسعد، ويصيبنا القلق، لكن هذا غير صحيح فمن المخ تنبع أحاسيسنا وتتولد مشاعرنا، مشاعر الفرح والحزن والاكتئاب».

عاشت تعاليم الرجل مرحلة طويلة من الزمن، حيث استمد تعاليمه من فلسفة ديمقريطس الفيلسوف الإغريقي القديم، الذي أثرت فلسفته تأثيراً بالغاً في هذه المراحل، وعلى شتى مجالات الفكر والعلم والمعارف الإنسانية كلها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى شهدت الإمبراطورية الرومانية القديمة مراحل عالية من التطور في علوم الطب والعلاج، وما صاحب ذلك من تشخيص وتصنيف للأمراض العقلية في ذلك العصر، لكن سقوط الإمبراطورية الرومانية أدى إلى انهيار كامل لهذه التعاليم الطبية، وما صاحب ذلك من نظريات في التشخيص والعلاج.

وإذا ما ذهبنا إلى العصور الوسطى في أوروبا، فإن هذا العصر يوصف بأنه «عصر التخلف والظلام»، فقد تحولت المفاهيم العلمية إلى أساطير، وأصبح العلاج حينئذ في أيدي الكهنة، ومن ثم أصبح المرض العقلي ينظر إليه على أنه فعل قوى خارق مبهم.

يشير يوسف الحجاجي في كتابه «تصدع الشخصية في نظريات علم النفس»، إلى أن هذا الظلام استمر مراحل طويلة حتى عصر النهضة، وتمخض هذا العصر عن كشوف في مجالات شتى، من مولد العلم الطبيعي الذي فجر الكشوف في مجالات أخرى.

وعندما فجرت الثورة الفرنسية تعاليمها الاجتماعية، أدى ذلك إلى رؤية جديدة للإنسان ومشاكله، في كافة صورها، واستطاع عالم فرنسي يسمى فيليب بينيل، أن يحمل على عاتقه مبدأ العلاج النفسي، وأن ينظر إلى الجنون نظرة جديدة وبمفهوم مخالف، ولم يقف الأمر عند هذا المدى، فإن تطور العلوم والفلسفات كان يسير بخطى سريعة للغاية، وبدأ الأطباء داخل العيادات النفسية يستعيدون مكانتهم بين المرضى والمنحرفين، وعلى ذلك تمكن طبيب ألماني يسمى جريسينجر من أن يضع الأساس لتشخيص المرض العقلي من خلال مدخل جسمي.

يوضح المؤلف أن ذلك المدخل كان بمثابة الإطار الشامل للتفسير، وفي تلك المراحل الحاسمة المليئة بالازدهار، كانت المدرسة الفسيولوجية في العيادات النفسية، تسير بنفس الخطوات السريعة بفضل الاكتشافات التي تمت في مجال التشريح، وفسيولوجيا المخ، والإضافات الجديدة في تركيب ووظائف الأعضاء الأخرى من الجسم البشري.

في الطريق يبرز منهج فرويد وتبرز تعاليمه التي تحتل جانباً كبيراً من هذا الكتاب، فلا توجد نظريات أو تفسيرات شغلت هذا القرن بمثل ما يحدث من كتابات في التحليل، وكتابات تعتبر بحق ثورة على مفاهيم التحليل، وثورة على طرق العلاج التي توصل إليها «التحليل النفسي»، وهو ما يكاد يشكك تماماً في منهج التحليل برمته.

غير أنه لا بد من الاعتراف بأنه عندما أسس فرويد مدرسته في التحليل النفسي، واستمد نظريته من خبرته الذاتية ومن المشاهدات الإكلينيكية، وأزاح الستار عن الكثير من غياب النفس الإنسانية، وأفصح عن العمليات اللاشعورية والشعورية، وفسر الأحلام، فقد حلل الأسباب الرئيسية للأمراض العقلية والنفسية، وأعطى تفسيراً وافياً للميكانيزمات الداخلية لهذا المرض، لكن فرويد لم ينس، وهو طبيب الأمراض العصبية، أن يتنبأ بأنه سيأتي الوقت الذي ستكشف أثناءه الأسباب الفسيولوجية لهذه الأمراض.

ويشير المؤلف إلى أن الثورة الواضحة على المفاهيم المنبثقة من التحليل، برزت منذ بدء التحليل، فقد انفصل عن فرويد في البداية أتباعه ورفاقه «يونج» و«أدلر»، وبقي معه بعض الشراح. وفي محاولات مثمرة لترميم النظرية وربطها بسائر الاتجاهات والكشوف الجدية، برزت مدارس أخرى، تنطلق من مفهوم التحليل، لكنها فسرت الظواهر ومظاهر الانحراف النفسي على أساس اجتماعي، وهو ما يطلق عليه «الفرويدية الجديدة» ومن أبرز هؤلاء إيريك فروم، واستطاع التحليل الفرويدي أن يغزو المجتمع الأمريكي في هذه المراحل، حيث تنتشر العيادات النفسية هناك، بما يأخذ من المفاهيم الفرويدية في العلاج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8ms4u4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"