ملح وسمرة.. قضايا صامتة

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

بعد التحية لنجوم الدراما الخليجية في مسلسل «ملح وسمرة» الكويتي، هدى حسين وجمال الردهان، ولكاتب العمل الدكتور حمد الرومي، يعود البريق مؤخراً للأعمال التي تذكرنا بما كان ينتج في فترة التسعينات، حيث كانت الدراما تحاكي الواقع الأسري، وتلامس همومه بين جدران المنزل كمسلسل «أمي وأبي مع التحية»..

الواقع الاجتماعي وقضايا يخشى المجتمع الخليجي البوح بها بصوتٍ عالٍ تطرق لها العمل باحترافية السيناريو وحبكة المشاهد والمعالجة الدرامية العميقة، ملامساً شجون فئة عانت من التنمر نتيجة وقوعها تحت وطأة التصنيف العرقي القائم على اللون الأسمر، من خلال حكايات الأم الممرضة والأب المغلوب على أمره والأبناء المحقونين بالازدراء والعار، والعمة التي فاتها القطار ولم يطرق بابها أحد سوى أجنبي في مرحلة متأخرة من عمرها.. لتبدأ بعدها دوامة جديدة تفتح النور على قضية ضياع حقوق أبناء الزوجة المواطنة المتزوجة من أجنبي، مختصرة الحال بجملة: «ياني ولد البلاد.. عشان أرفضه»؟!.. نتيجة لونها والرفض المستمر من قبل أخيها الأكبر!.

وبين هذا وذاك تتجلى بوضوح معاناة الشخصية الرئيسية «هدى حسين» في صراعها مع الطفلة الداخلية التي عانت في الصغر من تحرش قريب لها، وكيف تراكمت في داخلها العقد النفسية، وتمكن منها الغضب المكبوت دهراً، ليظهر غولاً بعد سنوات في وجه طالب تحرش بحفيدها داخل حمام المدرسة، وإسفاف المدارس في التعامل مع مثل هذه القضايا الحساسة، وعند هذه النقطة نتوقف لنتفكر في الحال وما تصنعه صدمات الطفولة من شخصيات معقدة عند الكبر، والدرس هنا في كيفية تلافي أساليب التربية التقليدية التي تقوم على إسكات الطفل وزجره، بدلاً من حثه على الحديث عما يزعجه، واحتضان مخاوفه بحكمة.

ولم يتوقف الطرح عند هذا الحد، بل اتسع ليشمل قضايا سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتسرع في رمي الطلقات الثلاث على مسامع الزوجة، نتيجة الغضب وإدمان رب الأسرة على لعب القمار، ضارباً مستقبل أبنائه عُرض الحائط، والفتاة الحسناء التي تخفي تحت مكياجها الثقيل خجلها من إصابتها بمرض «البهاق» والصرع.

وفي ظل كل هذه المشاكل وتراكماتها يقف رب الأسرة في العمل الدرامي ضائعاً بين مبادئه وقلبه، أو ربما مراهقته المتأخرة كما يحلو للبعض النظر إليها من هذه الزاوية، تاركاً أبناءه متخبطين مع قراراتهم المتسرعة، وزوجته التي اختتمت العمل بجملة رنانة: «أنت مثل الملح.. قليله مفيد في حياتي، ولكن كثرته تجلب الأمراض القلبية مع ارتفاع ضغط الدم».. كناية عن أفعاله المتهورة التي في نظره تعدّ حكمة ومبدأ!، وبعد الملح تأتي «السمرة» لتكون متنفساً من الهموم والأوجاع، وهي الحفلة الشعبية التي يسمر فيها الرجال على أنغام العود والإيقاع، وهي تقليد دأب عليه شباب الخليج.

إذاً هو مسلسل واقعي يحكي الآلام الصامتة المستترة التي قد حان الوقت لنبشها من جذورها، حتى لا تنبت أشجاراً عوجاء في حديقة الأسرة الخليجية الجميلة المعتزة بقيمها وهويتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/p9xzm6bz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"