رفقاً بالمتابعين

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

في ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمعات كافة، ومؤثراتها التي نراها في كل مكان وفي أي مجال، تطوّرت مفاهيم صناعة الشهرة والمؤثرين، فأصبح لدينا عالم مزدحم بالمشاهير والمؤثرين؛ حيث تحكمه «النقرة» التي تجسد مدى تأثير المحتوى، و«التعليق» الذي يؤكد قوته، و«المشاركة» التي تعزز انتشاره بين أفراد المجتمع.
لا نجادل في وجود هذا التطور، ولا نعترض إطلاقاً، فالمشاهير الذين بلغوا قمة التأثير على منصات التواصل الاجتماعي عن طريق محتويات متنوعة مثل الجمال والأزياء والترفيه وغيرها، كانت لهم جهود مضيئة واجتهادات متوالية، مكنتهم من جمع الملايين من المتابعين والمهتمين، وهذه ظاهرة في حد ذاتها إيجابية.
ولكن التطور المرفوض جملة وتفصيلاً بمفاهيمه ومعايير صناعته، ذلك الذي يخص بعض المؤثرين، الذين منحوا لأنفسهم حق تقديم «فتاوى» في مجالات لها خصوصيتها وحساسيتها ومؤثراتها، مثل الدين، والصحة، والاقتصاد، والتعليم، والاستشارات المالية والتكنولوجيا، من دون تأهيل أكاديمي أو مهني.
وهنا نسأل كيف لمؤثر أو مؤثرة أن يقدما فتاوى في الدين، دون فهم عميق للنصوص والفقه والشريعة وأصول الدين؟ وماذا عن الذي يعالج أمراضاً مزمنة من دون دراسة الطب والانخراط في أي خبرات ميدانية وبحثية طويلة؟ وهل تجوز فتاوى بعض المؤثرين حول التكنولوجيا والاقتصاد والتعليم، استناداً إلى الأدلة القصصية فقط من دون البحث الموثوق والبراهين المعتمدة؟
نعتقد أن هذا الاتجاه يغذيه سعي المؤثرين الدؤوب لجذب الاهتمام والمشاركة، إذ تكافئه منصات التواصل الاجتماعي عبر تسجيل الإعجاب والإجابات والمشاركات والتعليقات، ومع وجود ملايين المتابعين المتشبثين بكل كلمة «صحيحة أو خاطئة»، يجد المؤثرون أنفسهم في موقع قوة، وغالباً ما يمارسون فتاويهم المنتشرة حديثاً من دون معرفة حدود خبرتهم.
مع الأسف، يشكل تحقيق التوازن بين الرغبة في «الشهرة» الافتراضية، والحاجة إلى مشورة دقيقة وذات مصداقية، تحدياً كبيراً، يجب على هؤلاء المؤثرين التعامل معه بوعي ومسؤولية؛ إذ لا ينبغي أن تلقي جاذبية الشهرة بظلالها على المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها المؤثرون تجاه متابعيهم في مختلف المجتمعات، والذين يستحقون معلومات دقيقة وموثوقة، لاسيما في المجالات الحيوية والمهمة مثل الدين والصحة والتكنولوجيا والتعليم.
في الواقع إن انتشار هذه الممارسات يثير الجدل والقلق في المجتمعات، ويحتاج إلى وقفة جادة ليس من قبل الجهات المعنية فحسب، بل من المجتمع بمختلف مكوناته، فالفتاوى في محتويات «الجمال والأزياء والمطبخ والترفيه»، أمور بسيطة ومقبولة والجميع يصفق لها، ولكن عندما يتعلق الأمر بمجالات حيوية ومؤثرة لا يجوز العبث بها، نقول لهؤلاء المؤثرين: «رفقاً بالمتابعين».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/fr9j2772

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"