يظن كثير من الناس أن الإبداع حكر على فئة من البشر، ولا يتأتى إلا ضمن ظروف مثالية، فإذا لم تكن غنيّاً أو ابناً لعائلة موهوبة فلا تأمل أن تكون مبدعاً. وذلك غير صحيح على الإطلاق.
كان هناك صبي إفريقي من مالاوي، يدعى وليام كامكوامبا. وكان في صغره يحب العلم فيحرص على الذهاب إلى المدرسة، لكنه اضطر إلى ترك المدرسة عندما أصبح في الصف التاسع؛ لأنه لم يكن يملك 80 دولاراً لتسديد الرسم السنوي.
غير أن هذا الظرف والتحدي لم يمنعه من طلب العلم، فذهب في أحد الأيام إلى المكتبة، ورأى من بين الكتب التي كان يقلّبها كتاباً في الفيزياء يتضمن رسومات لطواحين الهواء. ورغم أن الكتاب كان مكتوباً باللغة الإنجليزية التي لا يفهمها، إلا أنه عزم على تعلم كيفية صنع طاحونة هواء تولد الكهرباء لقريته الصغيرة.
وبتصميم عظيم وإصرار منقطع النظير، استطاع وليام صنع طاحونة هواء استثنائية، مستخدماً بقايا أسلاك ومحور دراجة هوائية عتيقة وبعض الأنابيب من البلاستيك، دون أي تعليم أساسي، ولا توجيه ولا مواد صنع حقيقية.
ورغم فقره الشديد نجح وليام في صنع طاحونة هواء تستطيع إنارة بعض المصابيح وشحن الهواتف المحمولة وتشغيل مضخة تزود قريته الصغيرة بالمياه، مما أحدث تغييراً ملحوظاً ومذهلاً في حياة القاطنين في تلك القرية النائية، وذلك بفضل إصراره وإبداعه.
العبرة من قصة هذا الصبي المبدع، هي أن الإنسان قادر على الإتيان بحلول مبتكرة وابتكار اختراعات، وتحقيق إنجازات عظيمة بمعزل عن الظروف المحيطة به. فلستَ بحاجة إلى بيئة مثالية كي تبدع، بل إن شح الموارد أحياناً كفيل بدفع الإنسان لابتكار أشياء مدهشة، لذلك يُقال: «الحاجة أمّ الاختراع».
فسواء توفرت لديك الإمكانيات المادية أو الجو الأسري أو البيئة الاجتماعية المناسبة للإبداع أم لا، فبإمكانك أن تبدع وتبتكر. ووليام الصغير هو خير مثال ودليل على أننا قادرون على الإبداع، بغض النظر عن وضعنا المادي أو الاجتماعي.
إن الإبداع موجود في داخل كل إنسان، فهكذا شاءت الأقدار. وكل ما أنت بحاجة إليه هو السماح للأفكار بأن تتدفق من عقلك الحر، وأن تؤمن بأنك خليفة الله على الأرض، وأنه ميّزك عن سائر مخلوقاته بالعقل وملكة الإبداع.
عندها فقط ولأنك تؤمن بنفسك وتدرك أن الإبداع لا يقف في وجهه أي ظرف أو تحدٍّ، تستطيع أن تغدو الإنسان الذي تحلم به وتضيف إلى الإنسانية إبداعات وابتكارات لم تكن لتصدق يوماً أنك قادر على الإتيان بها.
