من وحي معرض بول سيزان

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
ذات مرة ذهبت امرأة إلى معرض في لندن لرؤية اللوحات الأولى للفنان الفرنسي بول سيزان (1839 – 1906)، الذي تعتبره أحد الفنانين المفضلين لديها، الذي مهد الطريق للكثير من الفن الحديث، وهو المنتسب للمدرسة الانطباعية، وكان له تأثير كبير على العديد من الحركات الفنية في القرن العشرين: (الوُحوشية، التكعيبية، التجريدية) وغيرها، وفي الطريق إلى المعرض انشغلت المرأة بأمر قد يبدو لنا غريباً، محوره السؤال التالي: كيف كان سيزان في بداياته، وكیف كانت لوحاته في السابق، قبل أن يصبح الفنان الشهير الذي نعرفه الآن.

حين وصلت المرأة إلى المعرض صدمت بأن بعض لوحات سيزان الأولى كانت سیئة للغاية، ومضطربة جداً، وبعضها كان عنيفاً. كما أنه رسم بعض الأشخاص بشكلٍ غير متقن. صحيح أنها وجدت، بالمقابل، بعض اللوحات التي كانت تنبئ بمستقبل سیزان اللاحق لكن الكثير منها لا يشي بذلك أبداً.

المرأة التي قصدت المعرض وشغلتها في الطريق إليه تلك التساؤلات، وانتابتها بعض الصدمة حين وجدت المستوى الضعيف للكثير من لوحاته، هي عالمة النفس الأمريكية المعروفة عالمياً والأستاذة في جامعة ستانفورد، كارول. إس. دويك، مؤلفة كتاب شهير عما يوصف بـ «السيكولوجية الجديدة للنجاح»، وهو العنوان الفرعي الشارح لعنوان الكتاب الرئيسي الذي جرت ترجمته إلى العربية بـ «طريقة التفكير»، وأوردت الكاتبة انطباعاتها عن معرض لوحات سوزان الأولى كمثال على ما تود أن توصله لقرائها، منطلقة من السؤال التالي: «ألم يكن سوزان الأول موهوباً، أم أن الأمر استغرق وقتاً حتى أصبح سوزان ما هو عليه، الفنان الشهير المتميز الذي نعرفه؟».

ينسب للمؤلفة حثها الناس على بذل ما يستطيعون من جهد في سبيل الأشياء التي يحبونها، وتتلخص رسالة كتابها هذا في أن الأشخاص الذين يقنعون بما هم عليه، ممن تصفهم بذوي العقلية الثابتة، هم الأقل قدرة على تنمية مواهبهم وقدراتهم، على خلاف أولئك الذين يمتلكون «عقلية النمو» الذين يعتقدون أنه يمكن تطوير القدرات ويدركون أن «الإمكانیة تستغرق وقتاً حتى تثمر»، وهي بذلك تزجي نصيحة للآباء والمدرسين والمديرين والرياضيين المتميزين باستخدام هذه الفكرة لتعزيز الإنجازات وتطوير المهارات.

وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الجماعات، ويمكن القول أيضاً حتى على الدول والأمم، فالدولة أو الأمة المستسلمة لواقعها المثقل بالأعباء والمصاعب، وترى في ذلك قدراً لا مفر لها منه، لن تبقى فقط مراوحة في حال الجمود التي هي فيه، وإنما ستشهد المزيد من التراجع، فيما الأمم الطموحة التي تمتلك نخبها الإرادة والرؤية قادرة على المضي قدماً وبلوغ نجاحات قد تكون غير متوقعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46c8pj6x

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"