صراع حول مجلس الأمن

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

كلما عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها السنوية، تعلو نبرة الدعوات إلى إصلاح هياكلها، وأهمها مجلس الأمن بزيادة عدد الأعضاء الدائمين فيه. وعلى مدى ثمانية وسبعين عاماً ظل الوضع على حاله، ومنعت مصالح الدول الخمس الكبرى أي تغيير لتركيبته، باستثناء منح الصين الشعبية العضوية الدائمة عام 1971 بدلاً من «جمهورية الصين»، تايوان حالياً، بعد توافق نادر في الجمعية العامة آنذاك، وأساساً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

اليوم يشهد العالم انقساماً كبيراً، وتنافراً استراتيجياً بين واشنطن وموسكو؛ بسبب التحولات الجارية، والأزمات المستمرة، ويبدو أن الصراع الذي يدور منذ سنوات على مسارح كثيرة وفي أروقة الأمم المتحدة، سيتركز مستقبلاً في مجلس الأمن، فالرئيس الأمريكي جو بايدن يتبنى توسيع قائمة الأعضاء الدائمين في المجلس؛ بهدف التصدي لنفوذ روسيا والصين فيه. ووفق الطرح الأمريكي، فإن الزيادة لا تقتصر على عضو أو اثنين، وإنما خمسة أعضاء على الأقل من بينهم اليابان وألمانيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا. ورداً على ذلك تدعو روسيا، بدورها، إلى إصلاح المجلس، ليضم دولاً صاعدة باتت ذات نفوذ وتأثير أكبر في الأمن والاقتصاد العالميين. وبين الطرحين الأمريكي والروسي، هناك نقاط مبهمة حول الصلاحيات التي سيمتلكها الأعضاء المفترضون، ومنها حق النقض (الفيتو)، الذي يمنح الدول الكبرى القدرة على تعطيل أي قرار أممي لا ينسجم مع مصالحها وأهدافها.

لا تخرج الدعوتان الأمريكية والروسية إلى إصلاح مجلس الأمن عن دائرة الصراع المحتدم بينهما منذ ما قبل الحرب في أوكرانيا، وانتقاله إلى الأمم المتحدة كان متوقعاً وحتمياً في ظل حالة الاستقطاب الحاد التي تسود العالم. وهذا الوضع يهدد المنظمة الدولية، ويزيد من تهميشها وتقويض أسسها ومبادئها. ومع ذلك، هناك إجماع دولي على ضرورة الإبقاء على الأمم المتحدة مع إصلاحها. وكان أمينها العام أنطونيو غوتيريس، الذي كثيراً ما يحذر من انهيار المنظمة، قد جدد المطالبة بتجديد المؤسسات الدولية، وإصلاح مجلس الأمن، وإعادة تنظيم الهيكل المالي الدولي، معترفاً في هذا السياق بأن العالم أصبح متعدد الأقطاب، ويحتاج إلى مؤسسات متعددة الأطراف فاعلة وقوية.

بعيداً عن التجاذبات، لم تعد الأمم المتحدة بتركيبتها وهياكلها الحالية تعبّر عن عالم اليوم، فالتوازنات تغيرت، وبلغت درجة الاختلال، وعدم الانضباط للقانون الدولي والعمل خارج الأطر المتوافق عليها، سيزعزع الأمن والاستقرار، ويعيد العلاقات إلى عهد ما قبل الحرب العالمية الثانية حين كان الضابط الوحيد للعلاقات بين الدول يستند إلى قانون القوة وليس قوة القانون وروح الأعراف الدبلوماسية. والآن بات المجتمع الدولي مهدداً بالعودة إلى تلك الحقبة، مع فارق جوهري أن العالم الآن يواجه تحديات ضخمة وتهديدات وجودية أخطرها التقنيات المدمرة، وتعدد الأسلحة الفتاكة وصولاً إلى أزمة التغير المناخي وما تجلبه من كوارث وأخطار باتت أسوأ مما يفعله البشر.

إصلاح الأمم المتحدة وكل مؤسسات العمل الدولي باتت ضرورة مُلحة، وليست ورقة ضغط لدى هذا الطرف أو ذاك، وإذا تأخر هذا الإصلاح والإنقاذ، فإن هذه المنظمة ستلقى مصير عصبة الأمم من قبلها، وهذا أسوأ سيناريو قد يواجه المجتمع الدولي في المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2nskjm8t

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"