ماذا بقي من السودان؟

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بعد خمسة أشهر على بدء المعارك في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، تخيم على هذا البلد العربي صورة كالحة السواد تحمل مقدمات لما هو أسوأ، مادام الطرفان المتصارعان يرفضان الامتثال لدعوات وقف القتال، والمضي في الإيغال بدم السودانيين، والإصرار على الخيار الشمشوني الذي يتغذى من حياة السوانيين ورزقهم وحاضرهم ومستقبلهم، ويحيل البلاد إلى يباب.

أحلام السلطة والسيطرة وكرسي الحكم أعمت البصر والبصيرة، وصارت أهم من ملايين السودانيين الذي تحولوا إلى لاجئين، أو صاروا في عداد الموتى، أو جرحى ينتظرون علاجاً بات مستحيلاً، أو متسولين لرغيف خبز يسد جوعهم أو غطاء يتدثرون به.

في كل يوم تتسع الكارثة. عاصمة تحترق، وأبراج تتهاوى، ومستشفيات تحولت إلى ثكنات عسكرية، أو تم نهبها وخرجت من الخدمة، وما تبقى يعمل في ظروف معقدة وصعبة، ومنازل إما لحق بها الدمار أو تم نهبها، وتم تهجير أهلها. ولم تنج مستودعات الإغاثة الإنسانية من عمليات السطو، ومن بينها مستودع في مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال دارفور، كان يحتوي على مواد غذائية تكفي ل 4.4 مليون شخص، حسب منسق الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي.

لم تعد «حرب الإخوة الأعداء» محصورة في منطقة معينة، هي تتمدد كل يوم، لتشمل المؤسسات العسكرية والمباني الحكومية، والأحياء السكنية والأسواق وكل ما كان ينبض بالحياة. وهي تتسع شرقاً وجنوباً وغرباً وشمالاً لتشمل دارفور وكردفان وبورتسودان والأبيض والجزيرة.

الآلاف من السودانيين ممن صمدوا في منازلهم أو حاصرتهم المعارك يتضورون جوعاً وسط مخاوف من نفاد المخزون الغذائي، وإن تعرضوا للأذى جراء القصف لا يستطيعون الوصول إلى المستشفى إذا وجد.

والأكثر قسوة وإيلاماً، ما تحدثت عنه التقارير الدولية، من أن الصراع أدى الى عواقب إنسانية هائلة، ومن أخطرها، إضافة إلى القتل والتهجير والتدمير، هي الانتهاكات الإنسانية الغريبة عن الشعب السوداني وشيمه وأخلاقه وعاداته، إذ تحدث خبراء وحقوقيون دوليون عن «تعرض مئات النساء للاحتجاز في ظروف مهينة وغير إنسانية، وأنهن يتعرضن للاستعباد الجنسي». وأشار بيان هؤلاء إلى أن هذه «الممارسات تبدو مدفوعة بأسباب عرقية وعنصرية».

ليس هذا فحسب، فقد خرجت مؤخراً دعوات تحمل مخاطر التقسيم والتفتيت، وتهدد وحدة السودان أرضاً وشعباً، وتصب في مجرى مؤامرة كثر الحديث عنها مؤخراً لتقسيم السودان، وكأن هذه الحرب الضروس وتداعياتها الكارثية هي مقدمة لتحقيق هذا الهدف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8ufped

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"