البيت ليس بيتك

01:06 صباحا
قراءة دقيقتين

في أحد بلدان ما وراء البحار، وفي شركة تُعنى بطباعة المعاملات، كان هناك شاب يعمل موظفاً في فرع عليه إقبال شديد، ما يتطلب من العاملين فيه سرعة التنضيد على لوحة المفاتيح، لتلبية متطلبات العملاء في وقت وجيز، حيث يجلس كل يوم لساعات طويلة وهو يحني رقبته محدقاً بشاشة كمبيوتر صغيرة متموضعة أمامه على المكتب.

كان هذا الشاب يعاني إحساساً دائماً بعدم الراحة في مقر العمل، ابتداء من مقعده المعدني رديء التصميم الذي يسبب له أوجاعاً منتظمة في أسفل الظهر، والذي لا يمكن تعديل ارتفاعه، ما يجعل نظره في مستوى أعلى من الشاشة، فيضطر إلى حني رأسه كي يرى عناصر الشاشة بوضوح، إضافة إلى التكييف الموزع بشكل غير متساو على أقسام الفرع، ما يجعله يشعر معظم الوقت بالحر ويتصبب عرقاً.

ومع مرور الأشهر، تفاقمت مشكلاته، واشتكى إلى رئيسه في العمل وصاحب المؤسسة نفسها، لكن أحداً لم يكترث لشكواه، حيث كانا كلما ذكر الموضوع يرمقانه بنظرات فيها نوع من السخرية والاستهتار، وكأنه صبي صغير مدلل يريد أن يملي عليهما ديكورات العمل، ويكلفهما ما لا طاقة لهما به، إلى أن بات الأمر يهدد صحته فعليّاً، فأصبح يتغيب بشكل منتظم عن الدوام بداعي أوجاع الظهر المتكررة، والصداع المزمن، وتشنجات الرقبة المؤلمة، وفقد كل دافع ورغبة في الإنجاز، فتراجعت مبيعاته إثر ذلك.

في النهاية لم يحرك أحد ساكناً، وأصبح هذا الشاب مثال الموظف المتقاعس عن العمل، ما حدا بصاحب الشركة إلى إنهاء عقده، بدلاً من مساعدته على تخطي المشكلات التي عاناها بسبب البيئة غير الصحية، إلى جانب عدد من زملائه الذين كانوا يشتكون مثله، في حين يصمت البعض الآخر على مضض، وتؤثِرُ فئة ثالثة مغادرة الشركة بحثاً عن فرصة أفضل.

إن هذه القصة، ليست محض رواية خيالية، بل هي حكاية تتكرر كل يوم في آلاف الشركات، حيث لا يكترث صاحب العمل، ولا المدير لراحة موظفيه، كأن لسان حالهما يقول: «البيت ليس بيتك حتى تطلب وتشترط»! لأنهم لا يدركون أن راحة الموظف وسعادته في العمل هما أساس النجاح.

«البيت بيتك»، هذه هي العبارة التي يجب أن ينطق بها كل مدير وصاحب عمل، ردّاً على أي اقتراح يهدف إلى تحسين بيئة العمل، أو شكوى من موظف يطرق بابه مطالباً بأبسط حقوقه، كموظف ومورد يضمن للجهة التي يعمل بها ربحاً وفيراً. أما بعيداً عن معادلات الربح والخسارة في عالم الأعمال، يكفي أن أقول لكل قيادي «كن إنساناً قبل أن تكون قائداً».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck7nyyt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"