أردوغان واللعبة الكردية نفسها

03:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نور الدين

بعد انقطاع استمر منذ عام 2011 سمحت السلطات التركية الأسبوع الفائت لمحامي زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله اوجلان الالتقاء به في معتقله بجزيرة إيمرالي في بحر مرمرة. وكانت أنقرة قد سمحت لمحمد شقيق أوجلان اللقاء به قبل خمسة أشهر. وأعلن محاميا أوجلان أنهما التقيا به لساعة في الثاني من مايو/أيار الحالي.
وظهرت مما كشفه المحاميان للمرة الأولى مواقف لأوجلان بشأن بعض القضايا التي تشهدها تركيا وسوريا والمنطقة.
وكان لافتاً موقفا أوجلان من مسألتين: المسألة الأولى دعوته ل«قوات سوريا الديمقراطية»، وعمادها «قوات الحماية الكردية»، للسعي لحلول في سوريا بأساليب أخرى غير الصراع، وإرساء ديمقراطية محلية ضمن المحافظة على وحدة الأرض. والثانية أن تضع هذه القوات الحساسيات التركية في سوريا قيد الحسبان، وأن تحل المشكلات مع تركيا ليس بالعنف؛ بل بالقوة الناعمة والعقل.
ومع أن اللقاء استمر ساعة لم ينقل محاميا أوجلان عنه غير هذين الموقفين وهاتين الجملتين. وهذا يفترض أنه كانت لأوجلان مواقف أخرى، لم يعلن عنها، من قضايا أخرى خصوصاً بعد التطورات الكثيرة والكبيرة التي شهدتها المسألة الكردية في تركيا وسوريا والعراق في السنوات الأخيرة، ومنها التمدد الكبير ل«قوات الحماية الكردية» في سوريا وإعلانها «فيدرالية روج آفا وشمال سوريا».
ومما يمكن فهمه من موقف أوجلان الأول، ودعوته أكراد سوريا إلى حل سلمي غير الصراع في سوريا، أن أوجلان ليس موافقاً على النمط الذي اتخذه التحرك الكردي في سوريا خلال الفترة الماضية، ودخول الأكراد في صراعات دموية مع قوى مختلفة في سوريا، رغم أن الأكراد هم الذين تعرضوا للعدوان من قبل قوات تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة. أو أن أوجلان لا يريد من أكراد سوريا أن يدخلوا في مواجهات عسكرية جديدة مع أحد خلال الفترة الحالية والمقبلة، وأن يمتنعوا قدر الإمكان عن توسيع الحرب. وهذا تحذير للأكراد من أن مثل هذه المواجهات محفوفة بالمخاطر على وجودهم، خصوصاً أنهم تعرضوا للتصفية على يد تركيا في منطقة عفرين.
كذلك فإن موقف أوجلان هو دعوة ضمنية للحوار مع النظام السوري؛ لإرساء توافق وإيجاد حل يحفظ وحدة الأراضي السورية، ولا يتجه نحو الانفصال، وهو الأمر الذي يرى قادة أكراد سوريا أنهم يعملون لأجله؛ أي إرساء وضع ما إداري وثقافي وسياسي في مناطق شرقي الفرات ضمن وحدة الأراضي السورية، وهو ما ترفضه دمشق، التي ترى فيه عملاً انفصالياً.
ولفت في موقف أوجلان هذا تجاهله الكلي للتحالف بين قوات «قسد» والولايات المتحدة الأمريكية، وكأنه لا يريد أن يسجل على نفسه تأييده لمثل هذا التحالف بين الأكراد وقوة مثل الولايات المتحدة، كانت وراء اعتقاله عام 1999، وكانت عدوة للشعب الكردي،
ولاسيما في تركيا، وهو موقف كما لو أنه يعني ضمناً التخلي التدريجي عن التحالف مع قوة استعمارية؛ مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الموقف الثاني حول أن يأخذ أكراد سوريا في الحسبان الحساسيات التركية في سوريا، فهو موقف يصب بشكل أو بآخر في مصلحة تركيا، التي تقول إنها تحارب الإرهاب الكردي في سوريا والنزعات الانفصالية، وبررت عملياتها العسكرية في جرابلس وعفرين تحت هذا العنوان؛ ولكن يبدو أن اوجلان بدعوته مراعاة هواجس تركيا، لا يريد المزيد من العدوان التركي على مناطق الأكراد في سوريا، وفي المقابل تشجيع الأكراد على المضي قدماً في حل مع النظام السوري؛ يحصّن الأكراد ضد أي عدوان تركي عليهم.
غير أن ما يلفت الانتباه أيضاً هو توقيت أنقرة للسماح لمحامي أوجلان الاجتماع به بعد 8 سنوات. ولا يمكن فصل التوقيت عن نتائج الانتخابات البلدية، التي جرت قبل شهر ونصف الشهر في تركيا، وخسر فيها «حزب العدالة والتنمية» مدينتي إسطنبول وأنقرة إضافة إلى مدن أخرى بفوارق ضئيلة، وكان لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي دوره المرجّح لفوز المعارضة، ولا سيما في إسطنبول. ومع قرار اللجنة العليا للانتخابات إعادة انتخابات إسطنبول في 23 يونيو/حزيران المقبل، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يراهن، من خلال سماحه بلقاء أوجلان مع محاميه، على سحب التأييد الكردي لمرشح المعارضة في انتخابات إسطنبول المقبل؛ ليتمكن مرشح «حزب العدالة والتنمية» من تعزيز حظوظه في الفوز. والكرة الآن بالطبع في ملعب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يفترض أن يعرف للمرة الألف أن أردوغان تلاعب بقضيتهم عبر وعود فارغة منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، ولم يقدم لهم أي شيء، فيما مارس ضدهم كل سياسات التنكيل والقتل والتدمير الممنهج وإنكار الهوية...، وأن الموقف في انتخابات إسطنبول المقبلة، من زاوية القضية الكردية، يكون بتكريس هزيمة الحزب الحاكم، لا انتشاله من مأزقه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"