غياب المحرّكات الحيوية للثقافة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في سؤال بسيط، غير أنه يرسم دائرة تتفرع منها أسئلة لا حصر لها، حسب المنطلق الذي تختاره؟ مثلاً: هل الثقافة العربية، تحمل في طيّاتها الشحنة والمخزون اللذين يمكّنانها من عبور الحاضر إلى المستقبل باعتداد واقتدار؟ لا يمكن أن تكون الإجابة من قبيل سرعة البديهة والتسرّع في تحريك اللسان. الجواب الرصين يحتاج إلى قائمة طويلة من البحوث والدراسات. لماذا؟ لأن الثقافة العربية المعنيّة هنا ليست ميراث الشعر والنثر وعلوم اللغة وما إليها، وإنما هي منظومة الاستعدادات والمحركات والمؤهلات التي تفتح الأبواب والآفاق المستقبلية.

يجب التحلّي بشيء من التواضع وحِلم معن بن زائدة، لعدم الانزعاج من وطأة الحرج جرّاء القضايا التي لا مفرّ من مواجهتها. حسناً، عندما يتحدث العربي عن العالم العربي، فهل ما يقوله متطابق مع واقع متكامل العناصر والمكونات والإمكانات، حتى تستطيع التحرك معاً والعمل معاً لتحقيق أهداف مشتركة، أو في الأقل قابلة للتناسق والتماثل في الحد الأدنى؟ لكن، ما أهمية أن تشترك مجموعة من الشعوب في النابغة الذبياني، الجاحظ، المتنبي، ابن عبد ربّه، أحمد شوقي، نجيب محفوظ، نزار قباني.. ولكنها على صعيد التنمية درجات عجيبة التفاوت، البعض عند الصفر وربما دونه، والبعض الآخر عند المئة وربما فوقها. من اللامعقول أن تقول للمتألق المتفوق: رويدك، لا تركض، حتى يقدر غيرك على مسايرتك.

حين يتحدث أحد عن العالم العربي، أليس من الضروري توافر مجموعة من التشابهات وأوجه التقارب في الأداء؟ التناقضات الناطقة البليغة التي تشكل الخريطة العربية هي سيّدة الموقف. يجب الاعتراف بعدم وجود أفكار أو حتى طرائق تفكير وتوجهات مشتركة، فكيف يمكن تصور مسيرة مشتركة متجاوبة نحو غايات مستقبلية مشتركة؟ ما يريد القلم استنتاجه من قِبل من يعنيه التفكر في المعضلات الوجودية والمصيرية التي يعانيها العالم العربي، هو أن الاشتراك في الخلفيات الثقافية القرونية ليس العامل الحاسم في ميزان المعادلات الواقعية التي هي الجسر إلى المستقبل. الدليل هو أن نسبة التنمية الشاملة القائمة على الإدارة الفائقة والخطط التي تُراكم التجارب الناجحة وتستثمرها، هي نادرة في الواقع العربي العملي، بينما التنميات الفاشلة والمتعثرة هي الأكثرية، للأسف. النهضة الأوروبية انطلقت بسرعة كبيرة بفضل ربط الفكر والثقافة والعلوم وتسخير البحث العلمي لتنمية الصناعة وبناء القوة واحترام كرامة الإنسان، إنسانهم هم. الدول المتقدمة في آسيا، أحسنت البناء: تأمين الغذاء، القوة الدفاعية، البنية التحتيّة، الاقتصاد، التعليم، العلوم...

لزوم ما يلزم: النتيجة التداركية: القيمة الحيوية للثقافة، هي أن تكون محرّكاً تنمويّاً، لا لوحة طبيعة ميّتة للديكور، منفصلة عن الفعل التنموي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/444pnk4a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"