الإمارات.. ومعركة الحوار والسلام والتنمية

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

رائد برقاوي

القوة الناعمة لا تنشأ بين يوم وليلة، لكنها تتطلب جهداً وعملاً شاقاً ودؤوباً يستمر على مدار سنوات، ولا يمكن شراؤها أو استيرادها أو استنساخها، وتتطلب شروطاً خاصة وبيئة لا تتوافر للكثير من اللاعبين الدوليين، ولعل أبرز هذه الشروط يتمثل في الصدق والوضوح.

تتعدد مفاصل هذه القوة وتتنوع ما بين الدبلوماسية والاقتصاد والثقافة، ولقد استثمرت الإمارات على مدار نصف قرن في كل مفاصل هذه القوة ورعتها بصبر واشتغلت عليها في هدوء وصمت على المستويات كافة، وتبنت لغة الحوار العقلاني الخلّاق، وتطابقت مواقفها في السر والعلن، وفي كل أفعالها كان الصالح العام بمفهومه الواسع، صالح الوطن والأمة بل والإنسان في مقدمة أولوياتها، حتى بات اسم الإمارات في العالم بين الكبار، ومرادفاً للقوة والاحترام.

تؤمن الإمارات التي تحتفي بالحياة والإنسان.. بلد السعادة والتسامح، أن المعركة الوحيدة المشروعة هي معركة الحوار والدبلوماسية ولذلك هي تخوضها بكل مفاصل قوتها وشراكاتها دفاعاً عن الأبرياء وكل من يأمل في العيش بطمأنينة وسلام.

تقدم الإمارات اليوم درساً جديداً في توظيف قوتها وعلاقاتها الدولية والاقتصادية والاستراتيجية، ما يدفع المتابع إلى التأمل والإعجاب، فمنذ بداية الأحداث الملتهبة في غزة، تحوّلت الإمارات إلى خلية نحل لا تهدأ على الصعد كافة، الرسمية والشعبية، ما يؤكد استراتيجيتها في اختيار المعركة الوحيدة المشروعة، وهي معركة التنمية والسلام والحوار، فيما البعض يحارب بالكلام والشعارات، ولكن الإمارات اختارت ساحتها ووظفت أدواتها النابعة من مبادئها وقيمها، ساحة تستطيع فيها أن تستثمر قوتها الناعمة، في معركتها الوحيدة لبناء الإنسان والأوطان.

بدا ذلك واضحاً في الاتصالات التي يجريها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على مدار الساعة مع مختلف الأطراف ومع المؤثرين الإقليميين والدوليين، فسموه لا يهدأ له بال من أجل حل سريع وفوري للأزمة يجنب الجميع المزيد من إراقة الدماء ويحمي المدنيين والأبرياء.

اتصالات ومشاورات شملت قادة أمريكا وفرنسا والنمسا وهولندا وكندا والبرازيل ومصر والأردن وتركيا وإسرائيل.. إلخ.. اتصالات تنسجم مع رؤية الإمارات وسياستها الخارجية ومبادئها التي تقوم على إرساء العدل والسلم وتنفيذ حل الدولتين الذي طالبت به قرارات الأمم المتحدة واجتماعات الجامعة العربية لسنوات طويلة.

تسعى الإمارات من هذا التحرك إلى حشد الموقف الدولي باتجاه تحقيق التهدئة، والابتعاد عن التصعيد حفاظاً على الأبرياء والمدنيين، وفي سياق هذا الزخم، نشاط ملحوظ أيضاً للشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية في المتابعة المستمرة والفعّالة لتطورات الأزمة، والحديث مع كافة المعنيين، هذا فضلاً عن التواجد الإماراتي الفاعل في مجلس الأمن والأمم المتحدة، والذي يستثمر بدوره قرارات الشرعية الدولية ويعمل مع مختلف الشركاء الدوليين على إنهاء حالة العنف في غزة.

لا يقتصر الحراك الإماراتي على مستوى السياسة وحسب، لكنه يمتد إلى الدعم المادي حيث وجه صاحب السمو رئيس الدولة بتقديم مساعدات عاجلة إلى الفلسطينيين بمبلغ 20 مليون دولار، كما وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، بتقديم مساعدات مماثلة بقيمة 50 مليون درهم.

أما شعبياً فكانت حملة «تراحم من أجل غزة» في كافة أنحاء الدولة تضمنت مساعدات غذائية وإنسانية متنوعة، وإغاثة عاجلة أرسلتها الدولة إلى رفح المصرية، والإمارات هنا تستثمر في ما يمكن وصفه ب«الدبلوماسية الشعبية»، وهي إحدى أهم مفاصل قوتها الناعمة، حيث لا تتوقف عن مد يد العون والمساعدة إلى كل من يحتاج إلى الدعم.

تعامل الإمارات مع الأزمة في غزة ينطلق من عدة ثوابت شرعية، ترتبط بضرورة حل الدولتين، وأن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة تعيش ككيان طبيعي بين بلدان المنطقة، تبدأ في العمل والتنمية بما يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، وهو ثابت يطالب به الجميع، ويبدو أنه آن الأوان لكي تعمل جميع الأطراف في العالم والمنطقة لكي يتحقق على أرض الواقع، قبل أن ندخل إلى منطقة مظلمة ومجهولة لا يدرك أبعادها أو مداها أحد.

تنطلق الإمارات في تعاملها مع الأزمة من ثابتها العروبي، فهي تساعد الأشقاء وتقدم لهم مختلف أشكال الدعم والرعاية، وهو مبدأ رسخه الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مرحلة تأسيس الدولة، وشهد تطوراً ملحوظاً على مدار العقود الماضية، تطور واكب تحول الإمارات إلى دولة ذات ثقل وفعالية وأدوار أساسية في محيطها العربي نتيجة لمواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الواضحة والقوية، والتي عرفنا صوابها في أحداث سابقة.

تدرك الإمارات أن الحرب كارثة، نتائجها كابوس بالنسبة لأطرافها، وستمتد آثارها السلبية على مجمل المنطقة، وستؤدي للمزيد من الكراهية، وأن البشر ضحيتها الأولى، ولذلك هي تبذل جهوداً جبارة لتجنب الحرب واتساع دائرة الصراع والعنف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jaskbdr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"