أم التلاميذ

00:43 صباحا
قراءة دقيقتين

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.. نعم؛ المرأة أم في كل الميادين.. البيت، المدرسة، وفي كل مكان معني بالأمومة والطفولة.. وفي كل المراحل السنية، وفي كل المواقع الأسرية؛ جدة، أماً، أختاً، ابنة.. فإن كانت في البيت تقوم بدورها الطبيعي كأم لأبناء وبنات في مختلف المراحل السنية، والمراحل الحياتية، فكيف هي المرأة العاملة في الحقل التربوي؟

في مناسبة الحديث هذا ثمة حكاية مدرسية عالمية حقيقية.. تقول: وقفت معلمة الصف الخامس ذات يوم وألقت على التلاميذ جملة: إنني أحبكم جميعاً، وهي تستثني في نفسها تلميذاً يدعى تيدي لأنّه دائماً وأبداً شديد اتساخ الملابس، متدنٍ دراسياً، ومنطوٍ على نفسه.. ما جعلها تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر لتضع عليها علامات (×) بخط عريض وتكتب عبارة «راسب» في الأعلى.

إلا أنّ الأمر تغير لديها فيما بعد، حين تبين لها من آراء مدرسي الصفوف الأول والثاني والثالث والرابع، أنّ تيدي طفل ذكي موهوب يؤدي عمله بعناية وبطريقة منظمة، وأنه تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه، لكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان، وأنّ لوفاة أمه وقعاً صعباً عليه، وقد بذل أقصى ما يملك من جهود لكن والده لم يكن مهتماً به وأن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تُتَّخذ بعض الإجراءات.

هنا شعرت المعلمة تومسون بالخجل من نفسها، وتأزم موقفها عندما أحضر لها التلاميذ هدايا عيد الميلاد ملفوفة بأشرطة جميلة ما عدا هديته التي كانت ملفوفة بكيس من البقالة، وتألمت وهي تفتح الهدية التي كانت عبارة عن عقد مؤلف من ماسات ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع.. إلا أنها عبّرت عن إعجابها بجمال العقد والعطر وشكرته بحرارة.. ارتدت العقد، ووضعت شيئاً من ذلك العطر على ملابسها.

ليقول لها: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي! عندها انفجرت المعلمة بالبكاء لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!! عندها بدأت المعلمة تُوليه اهتماماً خاصاً، ليبدأ عقله باستعادة نشاطه، ما جعله في نهاية السنة من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل، ليكتب لها: أنت أفضل معلمة قابلتها في حياتي، فترد عليه: أنت من علّمني كيف أكون معلمة جيدة.

تلك هي حكاية تيدي ستودارد، أشهر طبيب في العالم، ومالك مركز ستودارد لعلاج السرطان..

إذن، ما أحوجنا إلى أُمٍّ مدرسية، معلمة كانت، أم أخصائية اجتماعية معنية بشؤون الطلبة، إذ هي أقرب ما تكون إليهم عند حاجتهم إليها، إلى حنانها وطيبة قلبها وأمومتها المدرسية، بما يجعلها على اطلاع تام وأمين على قضاياهم ومتطلباتهم من الاطمئنان الاجتماعي.. فتحية إلى «أم التلاميذ» إذ همست: أنا أُمّهم، من أصغرهم إلى أكبرهم.. لأني أعتبرهم «عيالي».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2uw4c6wr

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"