عادي

صفحات مشرقة في الذاكرة

00:03 صباحا
قراءة 7 دقائق
صفحات مشرقة في الذاكرة
1
إبراهيم مبارك

الشارقة: أشرف إبراهيم
معرض الشارقة الدولي للكتاب على امتداده الطبيعي في رحلتَي الزمان والمكان، ووجوده المتحقق منذ انطلاقته الأولى في يناير/ كانون الثاني عام 1982 هو مغامرة ثقافية تقيس درجة حرارة الإبداع، وعمق الوعي بأهمية الكتاب في حياتنا المعاصرة، فهو بساط من الضوء لا حدّ له، يجمع في مكان واحد الأوجه الغائبة لكتّاب ومفكرين ومثقفين وشعراء، وكتاب قصة ورواية، ونقاد، ووجهات كثيرة لدور نشر، عربية وأجنبية، وجمهوراً من الكبار والصغار يعرف وجهة واحدة تتجه صوب الكتب، ونحو نوافذ معرفية مسكونة بالبهجة، وطاولات تروي ما يقوله المبدعون في مواسم الكتابة، وآخر ما خطته الأقلام، وما سكن القلب والروح فامتلأت به أوراقهم، وأصبح من حق القراء أن يتقاسموا معهم لذة الفكرة وجمال التصوير الذي يشع من بين الحروف.

المعرض حدث سنوي يفتح لزواره من الأدباء والزوار سلة الذكريات، ويقود كل ركن فيه إلى استرجاع ماض يتجدد عبقه في النفوس، فكل زاوية فيه تدعو للزائر إلى تذكّر تحولات هذا المعرض، حتى أصبح من أكبر معارض الكتب في العالم، وأن مقر إقامته في إكسبو الشارقة يجعله رسالة سلام ومحبة دائمة للدنيا بأكملها، تنثر الفرح والجمال في نفوس الزائرين، بخاصة الأدباء الذين يأتون إلى المعرض وهم مسكونون بالحنين إليه، وأن منتهى الطموح لديهم يتمثل في أن يروي قلوبهم مما يدشنه من فعاليات وأنشطة، ومن ثم الالتقاء وجهاً لوجه بأحبائهم وأصدقائهم الغائبين، والعودة أيضاً لذكريات لا تستطيع أن تغمض عنها العيون، فالشوق إليه يمتد من عام إلى عام. وفي السطور الآتية يتحدث بعض الكتاب والمبدعين في مجالات الأدب المختلفة عن ظاهرته السنوية التي لا تشبع الروح من مشاهدها وصورها الجمالية المرصودة على الصفحات المورقة في الحياة الثقافية.

موكب

لا يحصي القاص إبراهيم مبارك مدى أثر المعرض في نفسه لكون موسمه الثقافي مثل موكب يمضى خلفه الجميع بحب واعتزاز، فهو رقعة لا نهائية من الحبر والورق والمغامرات الإبداعية لتاريخ طويل من الكتابة، وتاريخ معاصر لا يمكن أن يغضّ الطرف عنه أحد، فهو بالنسبة إليه طريق مضيء يسير في منعطفاته، وهو يجول ببصره بين مواطن دور النشر التي تتراص مثل الشموع المضئية في ليال ينتصر فيها جمال الإبداع على كل شيء، إذ يشعر بعبق الكتب وهي تضوع برائحة ليست موجودة في غيرها، فيمرّ بين الممرات ليسترجع الذكريات لعله يرى أصدقاء غابوا قليلاً عن الذاكرة من الكتّاب، فجعل المعرض حضورهم إضاءة أخرى تترك للروح أن تستقبلهم بمحبة وصفاء.

هنا على أرض معرض الشارقة للكتاب، كل شيء يستحيل إلى نغمات من الكتابة الهادرة، كما أن أصوات الشعراء في الندوات والأمسيات تمنح العمر جمالاً وتثلج الصدر، إذ إن مكانة هذا المعرض كبيرة، فهو وطن، ومثل العائلة التي إليها ترد الأصول والجذور، وأن قطع المسافات للمشاركة في هذه التظاهرة الثقافية الكبرى يعيد للكاتب سيرته الإبداعية، وهو يتناغم مع كل الأنشطة التي هي مثل الدواء للروح، إذ يدرك أن زيارة واحدة للمعرض على امتداد جسر إقامته لا تكفي، وهو يحرص على أن يتزود من كل ما يبث في نفسه الجمال، ومن ثم يحاول أن يبحث عن كتب كثيرة في ذهنه قد لا تكون إلا بين رفوفه العابقة بالمتعة والجمال، إذ إنه خلال السنوات الماضية استل من بين جنباته موسوعات فكرية، وكتباً كان من الصعب أن يحصل عليها في مكان آخر، بخاصة أنه من أرفع المعارض وأكثرها إقبالاً في العالم بأسره، وهي حقيقة لا يمكن نسيانها، وهو سعيد بهذا التجدد الذي يعمر قلبه برحيق الكتاب، ويجعله يسترجع أحداثاً حلوة مرت به في ثنايا المكان.

الصورة
1

محطات

ولا تخفي الروائية سلمى الحفيتي أن جزءاً كبيراً من ثقافتها مردود إلى هذا المعرض الذي على ضفته الواسعة تتلاقى مختلف الجنسيات، وتتحد لغة واحدة في ربوع المكان، وهي لغة الأدب والفكر والنقد والمعرفة، وكل أشكال الإبداع المكتوب والمسموع، وتذكر أنها في مراحل عمرية مختلفة استطاعت أن تكوّن مكتبتها من بين أجنحته، ومن الرفوف العامرة بالشعر والأدب والروايات والمعارف الإنسانية التي تترامى بين ساحات دور النشر، التي تزدهي في كل عام بقوائمها الكبيرة من عناوين الكتب، القديمة والمعاصرة، والتي يبحث عنها كل أديب، وكل زائر، وكل مثقف، فيجدها من دون عناء ومن دون أن يكلف نفسه مشقة البحث في أمكنة أخرى.

وهي في اليوم الأول من افتتاحه تشعر بأن الاشتياق إليه يتجدد من تلقاء نفسه، لأن المعرض له سمعة وله مكانة، وهو صاحب تاريخ يفتخر به كل إماراتي، إذ إنه منذ انطلاقته وهو يؤسس لثقافة كبرى في منطقة الخليج، والعالم بأسره، نظراً للعناية الفائقة التي توليها الشارقة له، والتي تمنحه ألقاً لا يحد، واختلافاً ملموساً عن غيره من نواحي عدة، مثل: التنظيم الفائق، وحجم المشاركات، ومستوى الفعاليات والأنشطة، والحضور الطاغي للأدباء والمثقفين من كل حدب وصوب، ما يؤكد أن هذا المعرض بقعة ضوء واسعة في منارات الثقافة الإنسانية، وأن تناميه واحتضانه لكل التجارب الإبداعية يجعله في مكانته المميزة الطبيعية، فالجميع يطمئن إلى مستواه الكبير في منظومة الإبداع، والحرص على وجود دور نشر مهمة وعريقة، ما يسهل على الزوار من الأدباء والمثقفين فرصة الاستمتاع بتجربته التي لا يختلف أحد على فرادتها في عصرنا الراهن، فهي ترى شجرته الباسقة تورق كل عام بإنتاجات جديدة للمبدعين، ما يجعل اختيار بعض الكتب ليس سهلاً في ظل العدد الوافر من الكتب المنشورة التي تحفل بها دور النشر، وتروّج لها في محطات الإبداع.

الصورة
1

رفوف

وتسترجع الشاعرة الدكتورة عائشة الكعبي حكاياتها مع المعرض إذ يدفعها الحنين دائماً إلى تذكّر طفولتها بين أركانه، فهي لا تزال تراه حلماً جميلاً يبث في نفسها الطمأنينة، ويجعلها تشعر بأن ما كانت تنشده بين زواياه بالأمس هو نفسه الذي يدعوها إلى استكشافه اليوم، فهي تشعر بالاشتياق الحقيقي للكلمة المكتوبة والمسموعة بين جنباته، إذ كانت تذهب إليه في مقره القديم مع العائلة، وتبحث عن كتب معيّنة كانت للوهلة الأولى من البحث تتراءى لها على رفوف الكتب المنتظمة في درور النشر، كأنها منظومة كعقد لا مع له بريق خفي يأسر النفوس، فهي كانت، ولا تزال تتلمس الحكمة في إصداراته، وتتعلق بكل أنشطته، إذ صادفت فيه أسماء كبيرة من الشعراء والكتاب والروائيين، وأصحاب الأدب الرفيع، ما يجعلها حالياً لا تفارق الابتسام، وهي تمضي بين أشجاره المعرفة الكثيفة، وتتبع كل فعالية على ضفافه لكي تروي شغفها من فضاءاته اللا متناهية، في الفكر والثقافة والأدب، فهو يجعلها على تواصل حقيقي مع مستجدات الأدب العالمي، ولا يزال لديها دأب بمتابعة دور نشر بعينها فتبحث عنها وتتزود من إصداراتها، رغم أن لديها مكتبة ضخمة في بيتها أسستها من محطات المعرض الذي يتوهج عاماً فعاماً لكونه جسراً ثقافياً ممتداً يربط الشرق بالغرب، فهو لم يأخذ هذه المكانة، ولم يستحق كل هذا الاعتراف الدولي من فراغ، كما أن أشياء أخرى تجعلها مرتبطة به مثل: الالتقاء بكاتبات تعرفهن، ولا تجد الفرصة الكافية للتواصل معهن إلا في موسمه الزاهر، فهي على حد قولها غارقة في بساتين هذا المعرض المتجدد على مر الأيام والسنين.

الصورة
1

مواقف

لا ينسى الشاعر أحمد العسم تلك المواقف الجميلة التي دائماً تتناهي إلى ذاكرته كلما أشرق المعرض من جديد، خصوصاً أنه كثيراً ما كان يتبادل الكتب مع أصدقاء قد لا يراهم على مدار العام إلا بين جنباته، فعلاقته بالمعرض، على حد قوله، قديمة، فهو من الذين يحرصون على حضور فعالياته، ومن ثم الالتقاء بالكتاب الجدد أيضاً، وتحيتهم وحثهم على مواصلة درب الإبداع، وفي هذه الدورة الجديدة التي تتنفس فيها أمهات الكتب كأنها مسموعة أصواتها وهي على الرفوف، يحرص العسم على أن يستزيد من ثمرات الثقافة العالمية، فيتخير مجموعة من الكتب وفق ورقة صغيرة في يده، إذ يشعر باستمتاع لا حد له وهو يبحث عن الكتب التي يريدها ويستغل فترة مروره على المعرض بشكل يومي في الجلوس عند بعض دور النشر، ومن ثم تأمل هذا الصرح الذي تتسع جماهيرته في كل عام، ويزداد زواره بصورة كبيرة، فضلاً عن المشاركات العالمية لكتاب وأدباء حازوا جوائز رفيعة، إذ يشعره بالفخر وقيمة الدور المحوري الذي يلعبه المعرض في الثقافة الإنسانية بوجه عام، كما أنه يشعر ببهجة حين يتابع بعض الأمسيات الشعرية والملتقيات الفكرية والأنشطة التي تتجدد بشكل مستمر، فهو في كل دورة يكتشف وجوهاً جديدة للإبداع، ويرى العسم أن هذا الحجم الكبير الذي يحتضنه المعرض من دور نشر عربية وأجنبية لهو ثمرة حقيقية يانعة من ثمرات نجاحه، وأن هذه المسيرة التي تتقدم بتنظيم مبهر وإعداد غير مسبوق تسهم في إبرازه في أجمل شكل.

الصورة
1

حلة متجددة

وينظر الباحث د.محمد بن جرش، إلى حجم الفعاليات التي يدشنها المعرض هذا العام بعين الإكبار، بخاصة أن أنشطته معدّة على أعلى مستوى، وأنه على يقين بأن هذا الديدن الذي جبل عليه المعرض من القدم يرقى به دائماً ويجعله في حلة متجددة مع كل دورة تهل بريحها الطيب على أهل الثقافة والفكر والإبداع، وكل من تهفو نفسه إلى استنشاق رحيق العلم والمعرفة من باب واسع تتشكل فيه منظومات فكرية كبيرة، ويذكر ابن جرش أن المعرض هو ملاذه الذي يستظل به تحت خيمته في كل موسم جديد، وأن لديه نهراً دافقاً لا يبرح مخيتله من الذكريات مع أصدقاء أدباء وشعراء لهم باع كبير في عالم الإبداع، وروائيين أيضاً وأصحاب فكر ودور نشر، وأنه حريص كلما حلت مناسبته أن يعانق أضواءه، وأن يسابق الزمن من أجل متابعة أكبر قدر من الأنشطة والفعاليات، فهو مأخوذ بمكانة هذا المعرض بانتماء المحب لقيمته، كما أنه يعيش لحظات خاصة مع أجوائه الممتعة، ويستظل بأماسيه التي تعد لوحة أخرى للإبداع، كما أنه يحرص على إغناء مكتبته بالعديد من الكتب التي يصطادها من بين رفوف دور النشر التي تمثل في احتفاليته المهيبة ضوءاً آخر من الجمال.

الصورة
1

أنشطة مغايرة

أما وفاء العميمي، فهي تحتفل بالمعرض على طريقتها الخاصة، إذ هي تذهب مع أبنائها للاغتراف من معينه الثري، ومن ثم توجيههم نحو الكتب المفيدة لهم، ونظراً لوجود كم كبير من الأعمال الأدبية المبدعة فهي أيضاً لا تفوّت الفرصة من أجل اقتناص بعض العناوين التي تجد فيها ملاذاً معرفياً حقيقياً لها، فالمعرض يمثل لها قيمة كبيرة على كل الصعد، وأنها تحاول أن تستثمر مدة إقامته في حضور فعالياته، والتعرف إلى أجنحته، ومن ثم الالتقاء ببعض الكتاب، خصوصاً أن المعرض هذا العام له رونق خاص، وتحتشد فيه كل مقومات المعرفة، وأن حضوره مهم بالنسبة إليها ولعائلتها، خصوصاً أنه فرصة لكل مبدع لكي يتابع عن كثب أنشطة مغايرة في الحياة الثقافية، ما يميز المعرض الذي تسبقه دائماً شهرته العالمية، وسمعته الطيبة، ورمزيته العالية في الثقافة، لكونه ينطلق من شارقة الأدب والعلم والمعرفة الأصيلة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pv379f2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"