وحدة السفينة وكثرة الربابنة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل لاحظتَ الطريقة التي تهبّ بها المنظمتان العربية والإسلامية لمواجهة الأزمات حين تحتدّ وتحتدم؟ الحرص الشديد مشهود، لكن، متى؟ حين تخرج الأمور عن السيطرة، وتغدو المقاليد والقرارات الحاسمة في أيدي قوى تنظر إلى الخرائط كرُقع شطرنج. في الألعاب الاستراتيجية الكبرى، حين تحدث حادثة ما في منطقة ما، تلوح لأوّل وهلة محدودةً، فإذا المسرح فجأة كوكبي المدى ومجمع قارّات، والمباراة بين لوحتين تكتونيتين في جعبة كل واحدة منهما أكثر من خمسة آلاف قنبلة نووية. على أهل مباريات التايكوندو إغماد سيوفهم، فالذي في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب، لم يعد الحسام ومرادفاته. اللعبة الآن لعبة الإقصاء الجغرافي أو ربما الإلغاء الجغرافي.

الضرورة القصوى العاجلة التي يجب أن تصير الشغل الشاغل ليل نهار، لدى أصحاب القرار في العالم العربي، هي أن مصير السفينة العربية في الميزان، حتى لا نقول، لا قدّر الله، على كفّ عفريت استراتيجي مقاليده خارج أيدي العرب. المشكلة هي أنه لا أحد يستطيع الحديث عن أن السفينة ليست واحدة. للأسف، كل العناصر التي كانت طوال عشرات السنين بمعزل عن مرصد البحث والدراسة في الشؤون المصيرية، وهي مكوّنات الهوية والشخصية، هي اليوم في قلب المشكلات الميدانيّة. هل يحتاج النهار إلى دليل، ونحن نرى أن اشتداد الشدائد يستنفر أعضاء الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؟

من العجيب أن تكون للعرب والمسلمين منظمتان لهما حضور تتعدّد فيه الآراء، وللقارئ بلا شكّ رأي فيه، أمّا القلم فعلى يقين من أن المنظمتين لا تستطيعان أن تفعلا مثقال ذرّة فوق ما فعلتاه. المنظمة مثل السفينة لا يمكن أن تتحرك في عشرين اتجاهاً أو سبع وخمسين وجهةً في آن. نحن أمام ظاهرة ثقافية تراجيكوميدية، ذلك أنه حين تكون المياه ساكنةً والرياح هادئةً، فالشعوب لا تعلم ولا تسأل عمّا تفعل المنظمتان، لكن حين تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لا يبقى مفرّ من أن يتساءل الناس عن النبأ العظيم: ما هي حقيقة دور المؤسستين اللتين تمثّلان المئات من الملايين؟ إذا كان ما يجمع هو ما يفرّق، فما سبب التفرّق في السرّاء والضرّاء؟ هل ثمّة دوافع ثقافية أو نفسية أو سلوكية أو اجتماعية أو مصالح متنافرة، تحول دون توحيد المشارب والتوجهات في التنمية الاقتصادية والمواقف السياسية؟ أليست الألغاز ثقافية حين نُخرج من كيمياء العلاقات عناصر التاريخ والجغرافيا واللغة والدين؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الإحراجية: حين تضع الحرب أوزارها، على العرب والمسلمين تعزيز المنظمتين بأدوار فاعلة أمام الرأي العام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rp28uv7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"