الثقافة في ميزان عدم التوازن

01:09 صباحا
قراءة دقيقتين

هل اعترتك موجة من الرثاء لحال الثقافة العربية، حال المفكرين والأدباء والفنانين، الذين لم يعد لديهم وقت للتفكير في الثقافة؟ ماذا تعني الثقافة؟ وما الذي يقصده المثقفون عند الحديث عن منظومة القيم؟ في كل مطلع شمس تتناثر أوراق أخرى من شجرة أحلام الحضارة، تذروها رياح خريف المبادئ، فتتعرّى أغصان التطلعات الإنسانية، وائدةً براعم الآمال في نفوس الأجيال.

لكن، حذار، فالشعوب ليست أكياس ملاكمة، فالثقافة التي يظن غير العارفين أنها نائمة على الرفوف، أو هي لا تصلح إلاّ للنقر على الدفوف، أو أنها ترجّلت من على المنابر، وأخلدت إلى السبات في العنابر، فجأةً تنهض كالفينيق من الرماد، فتنقدح الجذوة من الماء قدح الزناد. «هرمنا» ونحن نتمنى أن تحاول مناهج التربية والتعليم العربية جمع الشمل، بوصل ما انفصل من الأواصر. لكن، لا خوف على القوم ولا هم يحزنون، فللثقافة جذور أعمق وأبعد مدى. هذه هي العروة الوثقى التي لا انفصام لها. الشعراء والأدباء والفنانون، وما أبدعوه من مخزون، هم صمغ الأرواح، وسدى المهج، هم طاقة الإرادة والطموح، وهم مرهم الجروح. هم النظام المعلوماتي والخوارزميات والبيانات التي تصل الحاضر بالماضي، والأحياء بالأموات، وتُبقي الآفلين على الشروق الدائم.

الثقافة لا يُرثى لحالها ولا لحال المثقفين، فحالة انعدام التوازن التي ظل العرب بشتى فئاتهم ومسالكهم ونزعاتهم ونزاعاتهم، يتذمّرون منها متبرّمين بها، هي ذاتها لا تخلو من دوافع إلى العمل الإيجابي المشترك، بدليل أن شدّة التشتت والتفرّق، تحدو بالمجموعة إلى التقارب في مسار متّحد موحّد. هكذا يحدث في الفيزياء، ولكن لا تشعرون. في الفضاءات الكونيّة بين النجوم، ينجذب شتات المادّة من حيث لا يدري إلى التكتّل، إلى التكثّف، إلى ارتفاع الحرارة إلى الانشداد نحو المركز. كذلك هو ما يحدث في متاهات الضياع وفقدان التوازن الوجودي، تلعب الثقافة دور الجاذبية المركزية بفعل تلك الحرارة والضغط نحو المحور، تزول الشوائب التي كانت تحول دون التفاعل والانصهار، تتلاشى وتندثر أسباب الفرقة فتتلألأ في الآفاق نجوم الثقافة التي كان ذوو العزائم المتداعية يتوهمون أن ريحها ذهبت، فإذا ثقافة الفعل تعود ومعها صحوة عصرية علوماً وثقافةً، وإذا الشعوب تدرك أنها أعظم شأناً وأنفس معدناً من أن تساق إلى حتفها بتفرقها أو أن تؤكل بيضاء أو سوداء، لا قدّر الله.

لزوم ما يلزم: النتيجة اليقظوية: صحيح أن السيف قد يكون أصدق إِنباءً من الكتب، لكن الأمّة اليقظة تأبى أن تمسي لعبة من اللعب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rvxajhf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"