حين يقلب الفيلسوف السترة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الذي حدث للفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري؟ بين عشيّة وضحاها «ضربت أسلاكه». طوال السنين الماضية، كان محافظاً على الرصانة في مواقفه، بوقار الحكيم المطّلع الذي لا يريد أن يقف في الزاوية الخطأ من التاريخ. لكنه قلب السترة، وحتى لا نكدّر صفو فصحانا، قلب ظهر المجنّ، للعرب والمسلمين جميعاً، والمثل يُضرب للشخص يُظهر وجه العداوة فجأةً، بعد صداقة أو عدم إبداء عداء.

لا يمكن بحال وصف أونفري بأنه دعيّ فلسفة، فهذا النعت ينطبق على قبيل برنار هنري ليفي، الذي قضى عشرات السنين يعيث في الدنيا فساداً، كأبرز تجسيد لصندوق باندورا، رمز الشرور، داعياً دائماً إلى التدمير، من يوغسلافيا، أفغانستان، العراق إلى ليبيا وسوريا، والحبل على الجرّار. لا مجال للحديث عن الفلسفة في هذا المقام والفيلسوف في اللغة اليونانية هو «محبّ الحكمة». ميشيل أونفري ليس هكذا، ومسيرته فيها علامات طريق مضيئة كثيرة، فكتبه المئة فيها التنوير والدراسات الجادّة والبحث الموضوعي. ومن مؤلفاته ما يتسم بالشجاعة في المواقف حين كان الإسلام والمسلمون يُقصفون بأدهى القذائف المغرضة، طوال السنوات التي كانت الإمبراطورية وأعوانها يلصقون الإرهاب بكل ما له علاقة بالدين الحنيف. أيامها وأعوامها كان أونفري يوصم بأشنع الصفات، ويعاني الحصار والنبذ في وسائط الإعلام، جرّاء آرائه التي لم تكن تغازل غايات البعض.

يُحسب له أيضاً تأسيسه «الجامعة الحرّة» في مدينة «كان» (تكتب كائن) في النورماندي، في عام 2002، ومحاضراتها مجّاناً لأيّ كان، سوى أنها لا تمنح شهادات. ألقى فيها سلسلته الشهيرة «التاريخ المضاد للفلسفة» التي ضمت أكثر من ثمانمئة محاضرة، وهو العدد الذي تابعه القلم وجمعه. رجل بهذه المواصفات لا يمكن غضّ النظر عنه بسهولة. من دون مراحل تمهيدية، أو خطوات متدرّجة منطقية، ظهر مؤخّراً على قناة فرنسية رسمية، فإذا هو ناطق رسميّ بلسان «صدام الحضارات»، وإذا به يكذب على نفسه وتاريخه، صادحاً بأنه منذ عشرين عاماً، كان مؤمناً بأن ما يدور في العالم وفي الشرق الأوسط تحديداً، إنما هو مواجهة بين البربرية والحضارة. بغير قناع ولا قفازات، نسي أحد أهم مؤلفاته الأخيرة: «الانحدار» (650 ص)، الذي أعلن فيه نهاية الحضارة الغربية، التي يصفها حرفيّاً بأنها كانت «ألفي سنة من المسيحية المعادية للسامية، التي تكلّلت بالمحرقة». في الكتاب نفسه يدين نصّاً «الهجمات التي شنّتها بلدان مثل فرنسا والولايات المتحدة، على بلدان مسلمة لم تكن تتهددنا مثل العراق، ليبيا ومالي». ما الذي حدث له؟ هل سطلته الأساطيل؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الأونفرية: ميشيل هو الذي قال في الكتاب ذاته: «إن السفينة تغرق»، سفينة الغرب يقيناً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4463ycyc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"