الوجه الآخر للكتاب

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل صار الكتاب قيمة مضافة ديكوريّة خداعيّة؟ نحن في ظروف ينبت فيها الخبراء الاستراتيجيون كالفطر، وتعود فيها الحياة إلى العسكريين المتقاعدين، يتجلى فطاحل الجغرافيا السياسية، يمدّ المحللون السياسيون أرجلهم أضعاف طول اللحاف. يذهلك المشهد فتهمس: عجباً، ألدينا في العالم العربي كل هذا الفهم، والعرب يُغشّي أبصارهم الوهم؟ يُخيّل إليك أن المنطق الاستدلالي لديه الحجّة والبيّنة والبرهان. المنهجيّة العلمية تصوّر لك أن الأمّة التي تحظى بهذه البانوراما المترامية الأطراف من الأدمغة المشعة المنيرة، كأنها شموس المجرّة، لا شك ولا ريب في أن خوارقها الجيوسياسية والجيوستراتيجية بزّت المشارق والمغارب بزّاً، واختالت سندساً وخزّاً. لكن، في ومضة وعي وواقعية، يتذكّر الذهن أن ذلك الاستدلال المنطقي وهمُ واهم، فهو بلا دعائم ولا قوائم، فما هو إلا كألوف الخبراء المحللين في كرة القدم في الفضائيات وسائر وسائط الإعلام، بينما أداء الملاعب عند النزالات الكبيرة محدود: العين بصيرة، والقدم قصيرة.

أمّا قصة الكتاب التي تخلّفت قليلاً عن سياق العمود، فهي عن ظاهرة لجوء المتعللين بألقاب المحللين ذوي المواقع اليوتيوبية، إلى الحديث أمام خلفية جدار من الكتب، رفوف وصفوف كما لا يقولون: من كل بستان باقة. الأبّهة مهمّة، «البرستيج» مهابة، فالجلوس وخلف الشخص أسفار تفسير، معاجم أدب على فلسفة على فقه على ترجمات منوّعة، بحيث تلعب المكتبة دور مضخمّات الصوت، عملية تنويم مغناطيسي للمتلقي، الذي يسمع الكلمات والجمل صادرة عن الكتب، ما يذكّرك بالعبارة الفرنسية، يعنون بها الإنسان الذي يتحدث بفصيح اللسان يقولون: «يتكلم مثل الكتاب». هذه الظاهرة ليست بالجديدة في أوساط المفكرين والأدباء والأكاديميين وحتى الساسة شرقاً وغرباً. أمّا في حسابات الشبكة لدى أناس حديثي عهد يظهرون كالفطر، ويقفزون في أيام معدودات إلى ألقاب يتضح فوراً أن مقاسها أكبر من أحجامهم بكثير، فالمشهد لا يمكن إخفاء الكاريكاتور فيه. هل ينبغي لمن «ابتلع» مكتبةً، أن يكون غير قادر على أن تقف لديه جملة فصيحة واحدة على قدميها؟

أمرٌ مقلق، طريق علاجه مغلق، فوسائط التواصل غدت ساحات إعلامية، وما هي بالإعلام، فهي في الحقيقة سوق فيها عدد لا يحصى من البضائع، التي لا رقابة عليها، ولا يقصد القلم أن الرقابة ضالّة الشعوب، سوى أن الشبكة وانفلات البث والنشر فيها، وعدم القدرة أحياناً على ميز الخبيث من الطيب، ومهارة الأيدي الخفية المغرضة في انتحال شخصيات عربية، تجرف الكثيرين إلى منحدرات غير محمودة العواقب. ما كل فرد عربي بقادر على معرفة حقيقة ما يطبخ في مطابخ كبار الطهاة. وهات وعندئذ هيهات.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستنتاجية: على الإعلام الرسميّ أن يطوّر أداءه حتى لا يفقد دوره ومسؤوليته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2a5sf488

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"