حوارية استراتيجية كليلة ودمنة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ستقول: ما هذه الانطوائية في التحاور مع القلم؟ كأنني: «عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئب إذ عوى.. وصوّت إنسانٌ فكدت أطيرُ»؟ لقد مللتُ التحليلات، فقلت للقلم: دعنا من عالم الأكاذيب وأدعياء الحضارة، الذين بلغوا قمّة قيمها فصاروا يرون العرب «حيوانات بشرية».

قال: ما رأيك في جولة في ربوع الحيوان، في السباسب والآجام؟ قلت: أوَ تدعوني إلى عرين الأسود، حيث النيوب والبراثن تسود، وكمائن السباع، من ذئاب وضباع؟ لا درّ درّك فأنا مثل ذلك الرجل الذي دُعي إلى القتال فقال: «إني لأكرَه الموتَ على فراشي، فكيف أسعى إليه راكضاً؟» قال: إنما الجولة مجازية في «كليلة ودمنة». قلت: فأهلاً بابن المقفع وأمثولات لافونتين و«مزرعة الحيوان» لجورج أورويل، وإن شئت جلْنا في عجائب الرسوم المتحركة لوالت ديزني، وخصوصاً «الأسد الملك».

قال: هل تصدّق أن «كليلة ودمنة» جدير بأن يدرّس في أعلى مستويات الدراسات الاستراتيجية؟ كيف ترى قصة «الفيل والقبّرة»؟ إنها خطة عسكرية استراتيجية، تلغي أيّ ذريعة لتبرير الخوف من القوة الغاشمة. العقل المدبّر المقدّر، هو القوة الوازنة في أيّ معادلة يختلّ فيها الميزان لمصلحة الباطل. وإلاّ كان الكون قائماً على الباطل، سبحان الله عمّا يصفون.

قلت: مهلاً، فقد شغفتني بهذه القصة، كيف كان ذلك؟ قال: زعموا أن قبّرةً اتخذت حفرةً عشّشت فيها على طريق الفيل، فداس بيضها، وقتل فراخها، وما زاده ذلك إلاّ غرورا. فشكت مصابها إلى الطيور فقالت لها: وما رجاؤك من الضعفاء؟ قالت: أقلّ القليل هو منتهى المأمول. طلبتْ من الغربان فقء عيني الفيل، ثم سألت الضفادع أن تنقّ في جبّ عميق فيحسبه عيوناً جارية، فإذا الغراب طائر البشرى، وإذا النقيق أنفس من العقيق، فصدحت القبّرة ومعها كورال الطيور: «لكل ظالم نهاية».

قلت: حكاية جميلة فتعاون الضعفاء قوة، سوى أنّ في الصورة التي في خاطري شيئاً مختلفاً. قال: وما ذاك؟ قلت: إن الفيل ليس وحيداً، فثمّة حمار لا يفارقه. قال: لا عليك، فما دام لا يفارقه فمعنى ذلك أن النتائج ستكون أفضل؛ لأن مخ الناهق سيدغم في مخ الفيل، فتزداد القوة، وكذلك ميزان الذكاء.

لزوم ما يلزم: النتيجة الارتياحية: أليست العودة إلى الأدب التراثي أفضل من تصديع الدماغ بشؤون السياسة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vsa7n57

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"