سخريات كتابة التاريخ

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

هل فكّرتَ في المؤرخين العرب كيف صاروا ينظرون إلى كتابة التاريخ، بعد الخزعبلات التي ابتلي بها العالم، فقلبت الطاولة على البحث العلمي والموضوعية والمنهجية في العقود الأخيرة؟

ما قيمة النزاهة التي يريد المؤرخ أن يتحلى بها إذا كان قد عقد العزم على تناول تاريخ العراق، منذ مطلع الألف الثالث؟ ما هذه القوة التدميرية الشاملة الكامنة في أكذوبة، التي تستطيع حشد تحالف من تسع وعشرين دولة، تنجرّ من دون كيف ولماذا، فإذا مئات الألوف حفنة حنطة في رحى، وإذا بلدان عدة في اصطفاف مثل المقصب الآلي في شيكاغو، أو مثل أحجار الدومينو؟ هل على المؤرخ أن يُدوّن الوقائع ويحللها، أم أن يَدخل الكتابة الساخرة من أوسع أبوابها؟

الدكتور باستاني باريزي (باريز بلدة في محافظة كرمان) فيلسوف التاريخ الإيراني الراحل (1925-2014) قال: «إن النقاد يتهمونه في مؤلفاته الستين بأنه أدخل السخرية في التاريخ وأدخل التاريخ في السخرية». لكن ليس من السهل دحض براهينه، فله مقولة تجعل الدماغ كالمروحة الكهربائية: «لا يوجد حدث مهمّ في التاريخ لم يبتدئ بسخرية كبيرة أو لم ينتهِ بسخرية أكبر». أطلق لمعارفك العنان واستمتع بجولات في ماضينا.

بأيّ رصانة وروح رياضية علمية يستطيع المؤرخون البحث والتحقيق في أن الأكاذيب والخدع تداعت بعد فِرية أسلحة الدمار الشامل، من دون إثارة ظنون أو شكوك، وكأن العالم لا يرى ولا يسمع غير ما تردده أبواق حق القوة، هي حذامِ التي تقول فيصدقها الرأي العام، وهي جهيزة التي تقطع قول كل خطيب. لكن ليعلم المؤرخون والمفكرون والمثقفون وسلسلة مراتب المعنيين بالمصير العربي العام، بأن هذه القضايا التي تحتل حيّزاً من الأرشيف في الحقبة الحالية، ستكون بؤرة صداع مستقبلاً حين تضطر المناهج العربية في الثانوية أو الجامعة إلى تدريس التاريخ المعاصر. لن يجرؤ أيّ أستاذ على مصارحة طلاّبه بأن الأمة لم تكن تكترث لحال شعوبها إذا أكلت بيضاً أو سوداً، أو إقناعهم بأن أكذوبة غزو العراق واحتلاله حصدت أرواحاً تعادل أربع عشرة مرّة ضحايا هيروشيما.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستنتاجيّة: الاستمراريّة تورث الاستمرائيّة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y9jjvkud

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"