الاستحقاقات الثقافية المصيرية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل فكّر المثقفون العرب في المقاربة الضرورية لاستحقاقات الثقافة العربية؟ لا توجد ضرورة فوق استحقاقات ما بعد الحرب. لقد انكشفت تدابير الدبابير التي حيكت وتحاك للعالم العربي منذ أمد بعيد. لا يقولنّ أحد: أنا لا، أنا خارج لعبة الأمم. ما يُزرع من كمائن في أيّ شبر من ديار العرب، هو بالضبط ما يُزرع تحت قدمي كل عربي.
لقد حان أوان المراجعات الثقافية الكبرى، ولو كانت تقتصر على ميراث الشعر والنثر وفنون الرواية والمسرح، لهان الأمر. ما تواجهه الهوية العربية من تحديات فقدان التوازن في زمانها، ووهن في القدرة على النهوض التنموي، وضعف في العطاء الابتكاري الإبداعي، وفجوة علمية وتقانية، إنما هي أعطال ناجمة عن غياب الأسس والبنى التحتية الثقافية المساعدة على نشوء إرادة الانطلاق.
في بداية كل نهضة شرقية أو غربية، قديمة أو حديثة، تنبثق منظومة أفكار وقيم تغدو هي صاعق البدء وشعلة المسار. قبل عصر النهضة الأوروبية بقرون قامت جامعتا أوكسفورد وكمبريدج. الثورة الصناعية في بريطانيا جاءت تالياً. الشاعر الإيطالي دانتي جعل من اللهجة التوسكانية اللغة الرسمية لإيطاليا. العرب اليوم صيّروا العربية الفصحى، وهي لغة القرآن والآداب العربية، لهجات تشتيتيّة في وسائط الإعلام.
الخطأ الذي لا يليق بأهل الفكر ارتكابه هو استثناء الثقافة من مجمع القوى البنيوية والمناعية للأمم. مقارنة بسيطة واحدة تعيد الرشد والصواب إلى من ضل سبيل اليقين: مساحة الاتحاد الأوروبي أربعة ملايين كم2، ونفوسه 450 مليون نسمة، يتكلمون أربعاً وعشرين لغة. العالم العربي أربعة عشر مليون كم2 وأربعمئة مليون نسمة يتكلمون لغة واحدة. أيّ جريدة، أيّ قصيدة، أيّ كتاب، أيّ خطاب، لا تحتاج إلى ترجمان. ما أيسر توحيد المناهج، وهو جسر متين إلى توحيد طرائق التفكير وثقافة الفعل. 
من أكبر الأوهام في الديار العربية أن الوعي بتاريخ الدبابير منذ القرن العاشر الميلادي، حاضر في الأذهان. لو كان هذا الوعي يعمل في العقول كالدينامو، ما كانت صفحات تاريخنا مذهلات من التراجيكوميديا المتناقضة جملة وتفصيلاً مع ميراثنا الثقافي في فنون الشعر العربي في الأقل.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستباقية: حين يتساءل المثقفون: ما الذي أوصل العالم العربي إلى أن يصير لعبة كل ريح؟ عندئذ تكون الثقافة قد صحت من السبات الوجودي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3t8vr8cr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"