دور تنويري عربي

يُذكر اسم الكويت العزيز على قلوب العرب، فتذكر أسماء مؤسسات ثقافية عريقة، وتُذكر أسماء رجال وروّاد ثقافة كبار في نفوسهم وفي رمزياتهم المعنوية من أحمد مشاري العدواني في أربعينات وخمسينات القرن العشرين إلى عبدالعزيز سعود البابطين في عشرينات القرن الحادي والعشرين، وبين زمن الرجلين أزمنة عدّة من كبار الثقافة والعلم والأدب، تمثل دورهم الفكري العميق في الخليج العربي خير تمثيل، وامتد هذا الدور التنويري المعرفي إلى الوطن العربي كلّه..
ظهرت في الكويت مبكراً حركة ثقافة وتعليم نظامي كانت من أولويات الدولة ومؤسساتها القائمة على فكر وثقافة أبنائها، واستقطبت الكويت مبكراً أيضاً رموزاً عربية أسهمت فعلياً في بناء دولة تنمية ثقافية نشطة، نجم عنها بالتالي، في السبعينات والثمانينات صحافة كويتية حرفية أصبحت في حدّ ذاتها مدرسة محترمة في ثقافة «صاحبة الجلالة»، لا هي مدرسة صحفية لبنانية، ولا هي مصرية، بل، مدرسة كويتية..
كان عبدالعزيز سعود البابطين أميناً مخلصاً لذاكرة بلاده الكويت، وامتداداً لهذه الذاكرة أطلق مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، ومن أوّل مبادرات المؤسسة ظهر معجم البابطين للشعراء العرب قبل أكثر من ثلاثين عاماً في أجزاء عدة عرّفت خليجياً وعربياً بأسماء المئات من الشعراء والشاعرات في وطننا العربي.
البابطين حالة ثقافية أو ظاهرة عربية كويتية هي واحدة من الأمثلة النبيلة التي جعلت من المال معاوناً للثقافة في مجتمع رجال الاقتصاد والأعمال الكبار ولم يكتف الرجل بنموذجه هذا، بل أسس الكثير من المدارس ومعاهد التعليم من ماله الخاص في عدد من البلدان العربية..
هذا مواطن عربي كويتي يفعل كل ذلك من أجل الأدب والعلم والمعرفة في بلاده وخارجها وهو يبتسم، غير أن الإنسان، دائماً، هو صنيعة بلاده وأهله ومنبته، فقد تعلّم البابطين من الكويت كل هذه القيم والأخلاقيات الجميلة من أجل فكرة واحدة هي الشعر، وهو شاعر، ويعرف تماماً روح هذه الفكرة، وروح هذا المعنى الأدبي الرفيع..
عرفنا من الكويت في سلسلة عالم المعرفة في العام 1978، وكانت تصدر في الكويت سلسلة عالم المسرح، وهي مجموعة كتب كانت منتظمة في صدورها ومترجمة إلى العربية، ولقد تربّى على مجلة (العربي) مئات بل آلاف القرّاء العرب، وعندما كان قارئ المجلة يحصل على نسخة منها كما يحصل على نسخة من (عالم المعرفة) الآن، يشعر أنه ليس في الكويت فقط، بل، هو عربي في كل مكان.
[email protected]