فاتورة 11 سبتمبر على أمريكا والعالم

02:05 صباحا
قراءة 5 دقائق

ربما لم يكن أسامة بن لادن ليتصور النتائج التي حلت بالاقتصاد الأمريكي والعالمي جراء هجمات 11/9 عام 2001 على نيويورك وواشنطن . ومع ان قرابة ثلاثة آلاف ماتوا في أمريكا وعدة ملايين في أفغانستان والعراق وغيرهما نتيجة ذلك الحدث، والنفس البشرية لا تقدر بثمن، إلا أن تأثيرات ما جرى في الاقتصاد الأمريكي والعالمي كانت كارثية بحق .

وإذا كان العالم شهد أزمة مالية حادة في 2007-2008 لم يخرج الاقتصاد العالمي من الركود الناجم عنها حتى الآن، فمن السهل القول إن الآثار المترتبة على 11/9 وما تلاه لم تنته بعد .

وربما يفيد هنا تذكر أن الأزمة العالمية بدأت بانهيار القطاع العقاري في الولايات المتحدة وانفجار فقاعة الديون العقارية المشكوك في تحصيلها والتي أفلست عدة بنوك ومؤسسات إقراض وأضرت بالبقية . وترددت أصداء الانهيار في بقية أنحاء العالم مع تأثر البنوك والصناديق التي تملك سندات دين أو مشتقات استثمارية أخرى مرهونة بالقروض العقارية الأمريكية الرديئة .

ولم تكن الفقاعة العقارية الأمريكية ، وكارثة الديون الرديئة، بمستوى فقاعات النمو في دورات الاقتصاد العادية في النظام الرأسمالي إنما كانت أعمق وأبعد تأثيراً . ذلك أن السياسة النقدية الأمريكية في السنوات السابقة على الأزمة خلال حكم بوش الابن وتولي الآن غرينسبان رئاسة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي أسهمت عمداً في أحداث تلك الفقاعة للحفاظ على أرقام نمو عالية تغطي على حجم العجز المتزايد والاقتراض الحكومي الشره لتمويل الحروب و الإنفاق على السياسات الأمنية الداخلية .

ولم يكن ذلك فقط بالابقاء القسري على أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها، بل بتشجيع الاقراض غير المنطقي وتسهيل اجراءات التحوط بما يسمح بتضخيم الفقاعة اكثر . قد تحدث تلك الاجراءات في السياسة النقدية بقدر ما في اطار الدورات الاقتصادية العادية من النمو والركود، إلا أن ما فعله غرينسبان وفريق بوش الاقتصادي كان غير مسبوق وهو ما أدى إلى الكارثة التي يعاني منها العالم حالياً . ولم يكن ذلك إلا للتغطية على التبعات المالية والاقتصادية لما سمي الحرب على الإرهاب والتي تضمنت توسعاً رهيباً في الإنفاق الأمني في الداخل وعلى الحروب في الخارج، خاصة حربي افغانستان والعراق . ولعب المحافظون الجدد، وتحديداً نائب بوش ريتشارد (ديك) تشيني، دوراً أساسياً في تعظيم تلك الكارثة وآثارها السلبية مع سيطرة الاولويات الأمنية/ الاقتصادية على السياسات الأمريكية . وتبع الفريق الاقتصادي الأمريكي الأولويات الأمنية تحت الشعار الذي لا يسمح بالتفكير المستقل وهو الأمن القومي الأمريكي .

لا يقتصر أثر السياسات الأمريكية التي بنيت على أحداث 11/9 على الفقاعة التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي العالمي، بل أن استمرار ذلك الركود واحتمال دخول العالم في كساد طويل الأمد يرجع أيضاً إلى عوامل مرتبطة بالسياسات الاقتصادية والنقدية الأمريكية في العقد الأخير . فأزمة الديون الحكومية، وأن كانت حدتها تبدو أوروبية من اليونان إلى إيرلندا والبرتغال واحتمال إيطاليا وإسبانيا، فإن مشكلة الدين الحكومي الأساسية هي في الولايات المتحدة الأمريكية . إذ يزيد الدين الحكومي الأمريكي عن 15 تريليون دولار أغلبها يرجع إلى الاقتراض لتمويل الحروب والإنفاق الأمني في إطار حرب الإرهاب .

قبل ثلاث سنوات ذكر الاقتصادي الأمريكي الشهير، والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، جوزيف ستيغليتز في كتاب مشترك مع ليندا بايلمز بعنوان حرب الثلاثة تريليونات دولار أن كلفة الحرب الأمريكية تقدر ما بين 3 إلى 5 تريليونات دولار . إلا أنه منذ ذلك الحين ارتفعت تلك الكلفة بأكثر من 50 في المئة كما قدر ستيغلتز في مقال أخير له بمناسبة الذكرى العاشرة للهجمات على نيويورك وواشنطن . ومشكلة تلك الحرب أنها أكبر وأول حرب تخوضها أمريكا ويتم تمويلها بالكامل بالدين . وهذا ما أدى إلى كارثة الدين الحالية، إذ تسلم بوش الابن الإدارة الأمريكية والاقتصاد به فائض في الميزانية يمثل 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و الآن زاد العجز إلى حد أصبح فيه الدين أكثر من الناتج المحلي الإجمالي .

وحسب تقديرات ستيغلتز الأخيرة يمكن إضافة ما يصل إلى نحو تريليون دولار جديدة لنحو تريليوني دولار هي الإنفاق الحكومي المباشر على الحرب . وبما أن كل تلك الأموال هي سحب على المكشوف، يكون نصيب الفرد الأمريكي من الدين الناجم على الحروب هو نحو 20 ألف دولار لكل مواطن أمريكي .

وحسب تحقيق قامت به صحيفة الواشنطن بوست على مدى عامين، لم يقتصر الإنفاق على الحروب فقط بل أيضاً على وحش المصالح الجديد داخل الولايات المتحدة الذي يمكن وصفه بالتجمع الصناعي الأمني قياساً على التجمع الصناعي العسكري الذي حذر الرئيس الأمريكي الاسبق دوايت أيزنهاور من سيطرته على رسم سياسة البلاد .

وخلصت دراسة الواشنطن بوست إلى أنه أصبحت هناك 1271 منظمة حكومية ونحو 2000 شركة خاصة تعمل في مجال مكافحة الإرهاب في 10 آلاف موقع في الولايات المتحدة حيث هناك 854 ألف شخص يحملون تصريحات أمنية . وفي العقد الأخير ارتفعت ميزانية المخابرات الأمريكية إلى الضعف، من 40 مليار دولار عام 2001 إلى 80 مليار دولار في 2011 هذا لوكالة المخابرات المركزية ولا يتصمن المخابرات العسكرية وغيرها من النشاطات الاخرى . وما تلك إلا مجرد أمثلة على حجم الإنفاق على التجمع الصناعي/ الأمني الجديد .

كل تلك الأرقام والتقديرات تخص الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا تتضمن انفاق بقية العالم على مجمعات الأمن/ الأعمال الخاصة بكل بلد والخاصة بالكتل الاقليمية . وإذا كانت بعض الشركات الأمريكية والإسرائيلية التي تكونت في العقد الأخير لهدف العمل في مجال الامن ومكافحة الارهاب حققت بعض الأرباح فإن ذلك كلف كل دول العالم تقريباً اقتطاعات بالمليارات من ميزانياتها شكلت في الأغلب عجزاً لأنها لا تسهم في النمو الاقتصادي . ومثال على ذلك تراه في كل مكان حولك من الاجهزة الحديثة في المطارات لمسح الركاب إلى إجراءات الأمن في كل مطعم أو فندق تذهب إليه .

بالطبع لم يكن أسامة بن لادن إن كان هو من وراء هجمات 11/9 حقاً يدري بأن الهجمات ستفعل كل ذلك بالعالم . لكن النتيجة العملية لا تزال أكبر مما تخيل الجميع ولا تزال الكلفة الاقتصادية لذلك الحدث تدفع من جيوب المليارات من البشر حول العالم ويصعب التكهن بحجم تلك الكلفة طالما لا يمكننا حتى الآن تقدير متى سيخرج العالم من الركود الحالي .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"